العارف عزّو كلام الناس ما بهزّو

[ALIGN=CENTER]العارف عزّو كلام الناس ما بهزّو ..!![/ALIGN] في الصف الثاني ثانوي عالي، كان يدرس لنا مادة الفيزياء أستاذ (معار) .. وكان ما أن يدخل إلى الفصل – ودون أن يلقي التحية – يبدأ في عدّ التلميذات لأخذ الغياب في بداية الحصة:
واحد .. اتنين …. ستة وتلاتين.
ثم يفتح الدفتر ويسجل فيه إكتمال عدد الطالبات دون غياب، ويقول بلهجة ساخرة تحمل في طياتها الكثير من الإستعلاء وتبطن ما يوازيه من الإحتقار:
ستة وتلاتين بأرة (بقرة)!!
ومن واقع طبعنا الحامي الما بيرضى (الحقارة) كنا ندمدم جميعنا من تحت أضراسنا:
و.. تور !!
فإذا كان هو يعتبرنا ستة وتلاتين (بقرة) فنحن بدون شك كنا نعتبره (التور) السبعة وتلاتيناوي.
سقت تلك القصة كمقدمة للحديث عن مكانتنا كسودانين عند أنفسنا وعند الآخرين .. أما عن صورتنا عند الآخرين الذين هم جيرانا وإخواننا في العروبة والدم، فهناك البعض منهم ممن لا يحملون لنا في دواخلهم غير صورة مشوهة تصورنا كـ كائنات بليدة وكسولة بل وغبية لا تفهم شيئا .. ربما كان العيب في تقصيرنا إعلاميا عن تعريف الآخرين بروعة (تخيل كيف يكون الحال لوما كنتا سوداني) .. وربما كان العيب في بعض الأمثلة المشوهة في الخارج والتي تعطي إشارات سالبة عن شخصية السوداني.
لم يكن تصرف أستاذنا – الذي تكرم وتنازل من عليائه للحضور للسودان وتدريس قطيع من الأبقار- بعيدا عن بقية المنظومة، فعندما كنت وشقيقتي في ضيافة أسرة مصرية صديقة آبان دراستي هناك، إتخذ إبن الأسرة الصغير وجودنا عذرا (للزوغان) من الدرس الخصوصي فإعتذر لأستاذه على لسان والدته زورا وبهتانا:
ماما بتقولك ماتجيش النهار ده علشان تديني الدرس لانو عندينا جماعة ضيوف من بلاد (نم نم)!!
فكان أن إتصل الأستاذ الذي قتله (الشمار) ليستفسر من والدة الصغير عن حقيقة كائنات بلاد (نم نم) التي نزلت في ضيافتها، فحكت لنا القصة كنكتة وضحكنا منها، إلا أنني سألت الصغير عن معنى (نم نم) فأجابني بأنه سمع عن أن السودان يقع في أفريقيا حيث القبائل التي تأكل البشر (التقول مصر في الكاريبي).. ولم يكن ذلك الصغير يمل من تكرار أسئلته لنا عن الأفيال والأسود التي تسير في إطمئنان بين البشر في شوارعنا.
أما عندما وصل الهلال لنهائي الكأس فقد واجهنا هناك حملة شعواء من الإستهجان اسمعونا فيها (اشقائنا) تريقات على وزن:
بقى إنتو يا بتوع الشطة .. جاين عشان تهزموا الأهلي وتاخدو الكاس ؟؟!!
وإذا إتجهنا شرقا فالحال ياهو نفس الحال، ورغم أن السوداني المغترب في الجزيرة العربية عموما إستطاع أن يخلق له سيره ناصعة ومحمودة بإجتهاده وإخلاصه في العمل وأمانته المشهودة، إلا أن إناء الدواخل هناك كثيرا ما ينضح بالإستعلاء علينا، وما دعابة لقب (يا زيتونة) التي يطلقها الأطفال هناك على أبناء السودانين في المدارس، والنكتة الشهيرة (أدري إنك عبيد .. بس إيش هو إسمك؟) ، إلا بعض دلالات (إلولو) في هذا المجال.
كدي خلونا من ناس بره وتعالوا نشوف روحنا هنا، وكيفية معاملتنا مع بعضنا البعض، فالإستعلاء الذي نشكو منه في الخارج نمارسه نحن بـ (مزاج) في الداخل، وما أن يعتلي أحدنا منصبا يتحكم من خلاله في مصائر العباد، حتى يفشفش فيهم مغايصو ويفكفك عقدو على حسابهم ويسومهم العذاب ألوان .. بداية من غفير بوابة المستشفى والذي يمارس على النسوان بالذات ليه ما عارفة – فرعنة تفوق فرعنة الفراعنة في زمانهم، وإنتهاء بالدكاترة أسياد البلد فأنا شخصيا عانيت ما عانيت – بسبب إبتلاءات المرض- من ويلات الإستعلاء في مرافقنا الطبية، وكم نويت أن أكتب عن تجربتي مع (طب السودان) وطريقة التعامل مع المرضى بـ (الصرة والنهرة والإختصار )، ولكني كنت دائما ما أتراجع حرصا على مشاعر الأغلبية من الأطباء، والتي تقبض على الجمر وتعمل تحت ظل ظروف إبليس ذاتو ما بيقدر يشتغل فيها، فرغما عن الضيق والتزمر غير المبرر من بعض الأطباء مع المرضى، إلا أن هناك أيضا بعض المرضى الذين يدفعونك لـ (تقطيع شعرك) من الغيظ ..
كنت قد قضيت فترة بعد تخرجي في معمل تحاليل طبية – كما ذكرت من قبل حيث صادفتني الكثير من المواقف الطريفة، فقد حضر إلي في نهاية اليوم العملي مريض رث الثياب تبدو عليه سيماء بساطة الحال ورقته، بالإضافة لأنه (شكلو ممكون شديد) وطلب مني أن أفحص له الملاريا .. وبعد أن قام بدفع ثمن الفحص لمحضّر المعمل جلس في الخارج إنتظارا للنتيجة .. ناديته عندما إنتهيت من الفحص وأعطيته النتيجة فسألني:
أها طلع عندي ملاريا؟؟
أجبته: لا لا .. ما عندك ملاريا.
سألني في حيرة: طيب طلع عندي شنو؟؟
كانت حيرتي أكثر من سؤاله الذي نبهني لعدم (نقّشانه) للحاصل، فحاولت مخارجة نفسي بالقول:
كدي إنت أمشي للدكتور .. ووريهو بتحس بي شنو عشان يديك العلاج!
فما كان منه إلا أن أفحمني بسؤال غاضب:
سمح إنتي وكت ما بتعرفي العيا العندي شنو .. شايلين مني قروشي ليه؟!!
تخيلو معاي لو في دكتور زهجان وروحو في راس نخرتو ممكن يرد على السؤال ده كيف؟؟

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version