* إلى أي مدى يمكن أن يكون النقد حاداً وحارقاً؟ هل نحن بطبعنا نتقبَّل النقد بصدر رحب ونبحث عن شيء من النُصح بين السطور المكتوبة أم أن تركيبتنا العصبية والسايكلوجية ضد تقبُّل النقد ومُصمَّمة على رفض الإرشاد و(قبول النصيحة)؟ هل وصلنا لدرجة كافية من الوعي تجعلنا نعي حقيقة أن مجرد الكتابة عنك (سلباً أو إيجاباً) هي اعترافاً ضمنياً بوجودك وإضافة لك، وأن تغييبك عن المشهد الصحافي والإعلامي عقوبة قاتلة، خاصة وأننا نعيش في عصر يحمل أصحابه (ذاكرة مثقوبة) تحفظ الأسماء بسرعة وتُسقطها بضِعف تلك السرعة التي حملتها بها؟ كم هو عدد الفنانين (الأذكياء) الذين يعرفون قيمة الحديث عنهم وإثارتهم للجدل والنقاش حول منتوجهم الغنائي وتكثيف التعاطي مع وجهات نظرهم وآرائهم؟ وهل بالوسط الفني من يستفيد مما يُكتب عنه فيجادل هذا بحب ويختلف مع ذاك بوُد ويسعى كل واحد للترسيخ لرؤيته وإقناع الآخرين بها؟!
* بحكم تجربتي المتواضعة مع الصحافة الفنية وأهل الفن لاحظت بعض النقاط التي تستحق أن نوردها تعليقاً حول هذه الأزمة المفاهيمية:
أولاً: إذا أشدت بفنان ما في أغنية معينة وقلت إن كلماتها الرصينة أعجبتك ولحنها الآسر خطف انتباهك والأداء أضفى عليها بُعداً جمالياً نافس الكلمة واللحن سيحدث الآتي: اتصال هاتفي من الفنان أو الفنانة منذ التاسعة صباحاً يشكرك فيه على فهمك العميق وثقافتك الفنية (الخطيرة) ورؤيتك (التي لا يمكن لأحد أن يصل لها)، وسيتغزل ذلكم الفنان في قلمك ومقالاتك في جلساته المختلفة وستكون عنده مثالاً للنزاهة والأمانة والمهنية والفهم المتقدم والصحافة الرصينة و(… و….)!! وذات الفنان إذا دارت دورة الأيام وانتقدت أغنية من أعماله، وقلت إن كلماتها ركيكة أو مستهلكة أو مكررة، واللحن أكثر من عادي ناهيك أن تقول هابطة – بينما جاء الأداء جنائزياً وفاتراً ومنزوع الإحساس، فإنه لن يرجع للاستماع للأغنية لاحتمالية أن تكون رؤيتك صائبة و(خطيرة) مثلما حدث في المرة الفائتة، بل سيترك كل ما كتبته ويبدأ في الحديث عن عدم مهنيتك وضعفك الصحافي وفقدانك للقدرة على استيعاب الأغنية وعجزك عن قرائتها فنياً والتعاطي معها وسيعمل على (شيل حسك) في أي جلسة تجمعه بمستمع أو فنان أو إعلامي أو.. أو.. أو و(الذاكرة المثقوبة) ستجعله ينسى غزله القديم في كتاباتك ما بين طرفة عين وانتباهتها، وستصبح فجأة في نظره (كاتب بلا ضمير) و(قلم غير نبيل)!
*معظم أهل الوسط الفني كالمد عند حاجاتهم وكالجزر عند حاجات الآخرين!
* ثانياً: كثير من أهل الوسط الفني يتركون (النقد المكتوب) ويركزون على (كاتب النقد)، وهذه إشكالية أخرى!
* ثالثاً: بعض الأقلام المحسوبة على الصحافة الفنية والصحافة عموماً – التي ولجت من الأبواب الخلفية في غفلة من (الرقيب المهني) تكتب حروفها الصدئة بدوافع (شخصانية) وتبني مقالاتها الفطيرة والعقيمة على طريقة (هذا يروق لي وذاك لا يعجبني)! وهؤلاء يمثلون وصمة عار في جبين الصحافة الفنية لابد من أن يجتهد (رفاق القلم) لتطهير الوسط الفني منهم (فالخير يخص.. والشر يعم)!!
* رابعاً: هناك فنانون يدلون بتصريحات ساخنة أو مثيرة أو جريئة وما أن يعلِّق عليها كاتب حتى تبدأ رحلة (التملُّص المُخزي) منها، بل يمضي أحدهم إلى أبعد من ذلك وهو يسعى لإقناعك بأنه لم يقل لك هذا الحديث.. وإذا شعر بأنك واضح ومُصِر وصريح وواجهته بالحقيقة، سيحاول الإلتفاف حول ما قاله، وسيعمل جاهداً من أجل (إقناعك جدلاً) بأنه قال لك حديثاً ربما لم يستطع إيضاحه لك بالشكل المناسب أو أنك لم تستوعبه بالصورة الحقيقية، ناسياً أنه (إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة، فإن فساد الرأي أن تترددا).
* أخيراً: يبدو أنه إذا كان عدم تقبل النقد عند الفنانين كبيراً، فإنه في أوساط السياسيين أكبر .
نفس أخير
ولنردد مع الكروانة لطيفة :
(الحقيقة ساعات بتجرح.. بس أريح
وأنت لو ريحت قلبي بتستريح)
[/JUSTIFY] [/SIZE]ضد التيار – صحيفة اليوم التالي
