ليمون وسكر

[ALIGN=JUSTIFY]في زمن أبعد بقليل من الآن، وفي مكان ما في السودان، يقال ان أحدهم زار آخر ونزل في داره وبقي فترة ليست بالقصيرة قابعاً في مجلسه. أحس هذا الضيف بشئ غير عادي بحسابات ذلك الزمان في السودان وصعُب عليه الاحتجاج فأراد تحقيق ما يرنو إليه بطريقته دون الإفصاح مباشرة. فنادى على صاحب الدار مخاطباً اياه في شكل سؤال استنكاري: (عندك كباية في البيت دا؟؟) رد صاحبه بالإيجاب. فطلب منه إحضارها إليه وأتى طفل صغيرٌ بالمطلوب، ثم أعقب الضيف بحديث للطفل: (جيب لي من جوة قطعة ليمون)، الطفل السريع لم يكن كسلاناً حتى يُنتظر كثيراً. فالتفت هذا إلى صاحبه وسأله: (ممكن تجيب لي شوية سكر)، وفي أثناء هذا كان صاحبنا قد خلط الماء الذي أحضر إليه مع الليمون وأضاف السكر…. ثم اتضح لأهل الدار أن الضيف أكرم نفسه… ودا طبعاً بعد ما (عملوا نايمين)!!.
و(البيعمل نايم) مصطلح سوداني لتجاهل فعل شئ أو فقدان إرادة فعل الشئ أو فقد الشئ نفسه.. المهم في النهاية هي عبارة تدل على السلبية، فهناك تعمد على التصرف السلبي نحو هدف معين ترى بأن الواجب يلقي المسؤلية على ذلك الشخص المناطة به.
والقصة أعلاه اهديها الى أحد اصحابي الذي اندهش، وهو يتحدث إليّ أمس الأول، عندما (اكتشف) أن ما أعلنت عنه الحكومة على لسان أكثر من مسؤول، لم يكن كما توهمه.. لقد تحدث معي صديقي وهو مندهش… وأنا بدوري اندهشت لدهشته.. المهم ان صديقي هذا قال انه ذهب باثنين من تلاميذ مرحلة الأساس إلى أقرب مدرسة إليه، وفي المدرسة طالبته الإدارة بدفع مبلغ قدره (700) جنيه سوداني، اي ما يعادل (350) دولارا او (233.33) يورو.. وقبل إكمال تعليقه على الموضوع كنت أجد نفسي تلقائياً أسأله (700) بس؟.. فقال: لكن الحكومة قالت التعليم مجان؟. فقلت: ايوه قالت لكن ماذا فعلت؟.
وأقول انني اندهشت لاندهاش صاحبي هذا لأن ما يقال يختلف تماماً عما يجري في الواقع، وإذا كانت الحكومة فعلاً جعلت التعليم متاحا للجميع بالمجان فليس هذا بالشئ الذي نحتاج لإعلانه والدعاية له… فقط مطلوب من الحكومة عدم رمي الحبال الأخرى على المحليات ومجالس الآباء.
بمعنى آخر ليس هناك من يقول لك بأن الرسوم التي تدفع في المدارس فرضتها الحكومة، لكن المدارس ليست لها جهات تدعمها وتمولها ولذا تلجأ للمواطن الذي إذا لم يدفع فلن يتعلم ابنه.
إذن فالتعليم في جميع مراحله، حسب الأوراق الرسمية، لن تجد أحدا من موظفي الدولة خاصة في الوزارة المعنية يعترف بفرضهم رسوماً محددة عليه، وفي الوقت نفسه ليست هناك ميزانيات مقدرة ومحترمة تخرجها الدولة لتدعم بها العملية التعليمية، لذا فإن المعلمين وإدارات المدارس ومجالس الآباء هم المسؤلون عن تسيير الأمور.. ومن الأشياء التي لم ينتبه لها بعض الناس حتى الآن أن تعليم الأبناء صار واحدا من الخيارات الصعبة التي انتصبت امام الأسر التقليدية خاصة التي ليست لديها أموال كافية.. فإما إنجاب اطفال مصيرهم الشارع والمساهمة بعدد وفير في عدد المشردين، أو تقليل أعداد الأطفال بالتنظيم الاجتماعي.[/ALIGN]

لويل كودو – السوداني-العدد رقم 947- 2008-07-03

Exit mobile version