التسوي تلقا

[ALIGN=CENTER]التسوي تلقا[/ALIGN] انزلق (عبدو السقّا) عن ظهر حمارته وتقدم نحو حوش (ود أب كرك) .. همّ بأن ينادي منبها أهل الدار لينبههم على وصوله، كعادته اليومية عندما يحضر لتزويدهم بحصتهم اليومية من الماء، فقد تعود أن يدخل الحوش مسلّما ويرفع صوته بـ (يا ساتر) لينبه الغافل من أهل البيت، ثم يتوجه نحو الأزيار في المزيرة فيملأها عن آخرها، ثم يعمد للحائط المقابل ويضيف على الخطوط المرسومة فيه خطا جديدا بحجر جيري يخرجه من جيبه المنتفخ بـ (الهتش)، كي يحفظ به عدد (سقْياته) عندما يحين آخر الشهر ويحضر لتحصيل حقّ الموية ..
ولكن قبل أن يرفع عقيرته مناديا لأهل البيت، إنتبه لوجود ابنة (ود أب كرك) الصغيرة تلعب وحيدة تحت أشجار الحوش الظليلة .. امتنع عن الصياح وتقدم نحو الصغيرة بخطوات هادئة، عندها حانت من الصغيرة إلتفاتة للخلف وشاهدته، فهشت في وجه باسمة وصاحت وهي تهم بالانطلاق لداخل البيت:
(عمي عبدو سيد الموية جا)
أمسك بها من معصمها ليمنعها من الجري .. تلفت حوله ليتأكد من خلو الجو قبل أن ينحني ويحملها بين ذراعيه، ولكن ما أن فعل حتى أستيقظت فيه نخوة حاول ابليس اللعين ساعة غفلة أن يدفنها في أعماقه، وتذكر حسن معاملة (ود أب كرك) وإحسانه له طوال سنوات عمله في سقاية الحي، منذ أن كان يحضر وهو صبي صغير مع والده، ثم عندما ورث الأمر عن أبيه بعد وفاته ..
مر شريط ذكرى تلك السنوات على (عبدو) في لمحة، فإستعاذ بالله في سره من الشيطان الرجيم، ومال على خد الصغيرة وقبلها في حنو قبل أن يضعها على الأرض وينطلق مبتعدا ..
مرت سنوات على تلك الحادثة أقبلت فيها الدنيا على (عبدو السقّا)، حيث باع بعض من سعيته ودخل في تجارة مع مجموعة من أقربائه، فتحسنت أحواله المالية وتخلى عن مهنة السقاية .. واشترى منزلا بعد أن تزوّج وأكرمه الله بالذرية ..
وفي ذات صباح كان يجلس في ظل تعريشة ظليلة تطل على حوش داره، بينما صغرى بناته تلعب وحيدة بالقرب من مدخل الحوش .. وفجأة دخل (سقّا) الحي وهو يحمل سعن الماء على ظهره، وهمّ بالتوجة نحو المزيرة، وفي طريقه إليها إنتبه لوجود الصغيرة وحيدة في الحوش، فأنزل السعن عن عاتقه ثم غير وجهته وتقدم نحوها ..
ألقى (عبدو) فنجان القهوة من يده وهبّ واقفا .. وتقدم بخطوات عجلى نحو باحة بيته، ولكن قبل أن يصلها كان السقّا قد حمل الصغيرة على عاتقه .. احتضنها برهة قبل أن يقبّل خدها ويضعها على الأرض ثم ينطلق وهو لا يلوي على شيء ..
وقف (عبدو) مذهولا وضرب كفا بكف ثم قال حكمة صارت مضربا للأمثال:
لو زدنا يوم داك .. كان زاد السقّا !!
حكاية (العبدو السقا) سمعناها في وعينا المبكر من (أمي) نقلا عن (أبي)، فقد حملها في وجدانه من ضمن ما حمل من موروثات أهل الجزيرة وحكمّهم البليغة، وكانت أمي تستعين بمقولة السقّا التي صارت مثلا، كلما حضرتها قصة كان فيها جزاء المذنب من صنف عمله ..
حكمة (داين تدان) تعادل في أمثالنا الشعبية (التسوي تلقا)، أو نفس المعنى في سياق آخر (التسوي كريت في القرض بتلقا في جلدا) .. وتوجهنا قصة المثل لأن ننتبه ونراعي الله في أفعالنا، لأن من يدفع الثمن هم أحباؤنا .. فمن يسئ لطفل فعليه أن يتوقع، أن ينبري من (يتسدا التار) لذلك الطفل في أحب بنائه إليه ولو بعد حين، ومن يؤذي شقيقات الرجال فحتما سيأتي من يؤذي شقيقته من وراء ظهره، ومن يهتك الأعراض عليه أن يخشى من هتك عرضه وأن زاد عنه وحماه بالدم ..
ورغم أن هناك من الحجج والاسانيد الفقهية ما تعارض ذلك الفهم، حيث استدل بعض العلماء بقوله تعالى: (لا تزر وازرة وزر أخرى) على نفي الاعتقاد بأن الابرياء هم من يتحملون وزر ذنوب أقربائهم العاصين، إلا أن ما لا خلاف عليه هو، أن عقوبة بعض الذنوب تكون في الدنيا قبل الآخرة، وأن مقترفها سيرى جزاءه قبل موته مثل عقوق الوالدين ..
* بعد عودة العزابة من صلاة الجمعة منفعلين بخطبة الأمام، التي أكثر فيها من الوعيد لكل من يأتي بفعل قبيح يؤذى به أخاه المسلم من وراء ظهره .. جلسوا يتلاومون على ما كانوا يفعلونه في رفيقهم الثقيل (مجدي البوستة)، وقرروا أن يصارحوه بكل تلك الافعال التي كانوا يفعلوها لتطفيشه ثم يستسمحوه عليها، لذلك بادروه بعد عودته من الخارج:
يا مجدي ياخ دايرنك تعفي لينا عشان كنا قاعدين ندّاغل عليك، مرة حرقنا جلابتك بالمكوة عنية ووكنا بنقشّط حلة (القطر قام) ونغسلا قبال تجي و
قاطعهم مجدي في هدوء:
ما مشكلة لكن برضو انتوا سامحوني لانو الجوابات الكنتوا بتدوني ليها عشان ارميها ليكم في البوستة لأهلكم هديلك قاعدين كلهم في الدولاب و بعدين يعني من هنا ولي جاي حقو تغسلوا الزير حقكم ده كويس !!!!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version