بت الشايب -2

[ALIGN=CENTER]بت الشايب -2 [/ALIGN] دخل عباس لبيته واغلق خلفه الباب، جلس وسط راكوبته الأثيرة بعد ان ارتشف جرعات من ماء الزير البارد الذي يقبع بجوار سريره واطلق آهة خرجت من أعماقه ووضع رأسه بين يديه وتسآءل بينه وبين نفسه( السويتو دا شنو قدام الناس؟ هسي اكان دايره واحد من رجال الحلة ديل ياخدها كيفن بعد كلامي دا؟) وبعد أن أنب نفسه طويلاً عزم على الذهاب لبت الشايب يحكي لها ما حدث ويعتذر عما بدر منه بحقها، لكنه قبل ان يقوم من مقامه سمع طرقات خافتة على بابه فذهب متثاقلاً ليُفاجأ ببت الشايب أمامه وجهاً لوجه فعلم ان يومه قد تم لا محالة( حبابك بت الشايب ابقي لا جوة) لكنها سألته بصوت خافت (براك ولا معاك زول ) سقط قلبه وارتجف صوته( براي عِلا في شنو؟) زجرته للداخل( مالك زي الكاتلك رقبة ادخل لا جوة دايراك في شيتن ما بتقال حِدا الباب) تنفس بعمق وسألها ( مالك الحاصل شنو آآمرة) لكنها استحلفته الا يخرج هذا الحديث من طرف بيته وانها جاءته لتأتمنه على سرها دون باقي أهل الحلة وخاصة شيخ احمد شيخ الحلة وكبيرها( احلف لي في كتاب الله الحديت دا تموت بيهو وما يمرق من خشمك لي زول تاني) ( أبشري بالخير والله عِلا أموت)عاجلته( قالوا آعباس السر ان مرق من سيدو ما ببقى سر عِلا انا فترت من عيون الناس البتسعل فيني بلا كلام وجيتك في شان تشوفلي حلاً للنصيبة دي) انزعج عباس من هذه المقدمة واستحلفها ان تقول له هذا السر الذي لم تستطع هي ان تحتفظ به رغم قوتها وجبروتها في المنطقة.. (عليك الله قولي قولك،،، في شنو؟) ( كدي اولاً بالتبادي أدني موية النبل بيها ريقي دا واقول ليك الدايره أقولو) جاءها بالماء وجلس قبالتها لتحكي له سرها الذي أخفته عن كل الناس وماتت أمها وهي حزينة على حالة ابنتها الوحيدة وقد كانت آخر كلماتها لها( آآبتي الناس ما بتريح والحاصل ليك دا مافي زولاً عارفو عِلا انا واتِ والداية الولدتني وحبوبتك والداية وحبوبتك تراهن فاتن في قدر الله وانا لاحقاهن، دحين بعد أموت ما عارفة ليك زولاً يعاونك عِلا عباس ودالماحي) لكنها ردت عليها ودمعات جافة على خدها(دا شيتن كاتبو لي الله بسوي شنو مع قسمة الله، انا ما بحدث لي زولاً بالحديث دا) لكن أمها استحلفتها ( يا بتي مافي زولاً ببقى براهو في الدنيا دي الناس بالناس، انا ما دايراك تقولي الحديت دا لمرة من نسوان الحلة أُمات خشوماً ما بمسكنلهن سر، لكن عباس ود الماحي بعرف ليك مخارجة دا راجلاً فالح من يومو) ( عاد آآمي دا شيتن بقولوا لرجال؟ دا كشف حال ونقر طار فوق راسي ليوم القيامة) لكن امها هدأت من روعتها واخبرتها بأنها تدين لعباس بسر لا يعلمه غيرها وغيره وهي لذلك ستجعله يحفظ سر ابنتها ولا يبوح به لأحد، وهو وحده الذي سيجد حلاً مناسباً لهذه المعضلة، قالت لها ذلك حتى تطمئنها وتحدث عباس بسرها دون خوف من ذيوعه.
( مالك آآبت الشايب الحاصلك شنو؟) سألها عباس مستفسراً أجابته بحياء واضح( الحاصلي ما حصل لزولاً قُبالي تب عِلا القسمة، وانا والله جيتك على وصية الوالدة قالتلي تمشي لعباس ود الماحي راجلاً ما ببضع فيك وما بشمت عليك الناس) انفرجت اساريره وهو يستدرجها للبوح بسرها الغريب( تب ما بديك عوجة آآخيتي وسرك في بيراً غويط ما بوصلوا زول) تنفست الصعداء وبدأت في سرد قصتها( انا عارفة الحلة كلها بتقول بت الشايب متل الرجال في شان ما عرست ليوم الليلة وفي شان بكاتل الرجال ان سعلوني، أنا آآعباس اخوي ما بسعل لي زولاً بلا سبب، عِلا القصة وما فيها انا ما عارفة روحي راجل ولا مرة) استوى عباس في سريره وقال لها ( بتقصدي شنو؟) أجابته( من ما قمت لقيت روحي بدور العب مع الوليدات ما بدور لعب البنات وكمان كت بقول لأمي الله يرحمها ويغفر ليها، يا امي لبسيني متل وليدات الفريق عِلا امي بتنهرني وتقول لي خلي جنك دا آآلمقيصيفة اتِ قايلة روحك وليد) وتسترسل بت الشايب في سرد إحساسها( اها لمن كبرت شوية والبنيات يحكن في الريدة ما بقعد معاهن وبقولهن اتن غبيانات الريدة دي سوهوها للمتلكن ما للمتلي انا) لأنها كانت تعزف عن الحديث في مثل هذه الأمور، وعندما تذهب للإحتطاب مع صويحباتها تأتي بحزم الحطب المتراصة فوق بعضها البعض وتجلب الأُخريات أعواد لاتكفي لصنع الكسرة ليومين متتاليين، وكن يستعجبن من قوة بت الشايب وقدرتها على العمل الشاق وجلب الماء بالخرج بينما هن يحملن الماء على روؤسهن لكنهن لم يسألنها عن هذا الأمر بل يتهامسن به في الطريق(شوفن شدة البنية دي وقوتها التقول صبي ولا معاها جان) وترد إحداهن( عيني باردة خسمتكن بالرسول ان ما قلتن تبارك الله) فترد عليها صبية سليطة اللسان(نان فوق شنو شن الخلقة البسحروها) وظلت بت الشايب تدخل في مشاحنات مع صبية الحلة وتتغلب عليهم دفاعاً عن نفسها او صويحباتها حتى سماها البعض سراً بت الشايب المتروجلة، كثيراً ما نادتها امها لمجالسة جاراتها لإحتساء القهوة لكنها تعزف عن ذلك مفضلة السباحة في النهر والجلوس في ظل البيت، كانت تشعر في داخلها بأنها رجل لكن ما يبدو للآخرين انها إمرأة تشبه الرجال ربما لقوتها الجسدية الباينة، ظلت بت الشايب في صراع داخلي حول نفسها هل هي رجل ام إمرأة ام أنها الإثنان معاً فقد كانت بت الشايب شخص مذدوج الجنس ولا تعلم لمثل حالتها هذه علاج بل لم تستطيع والدتها او جدتها وحتى الداية ان يفعلوا تجاه هذا الحدث شئ سوى الدهشة( طلبتك بالله يا سكينة أكان تمرقي الشفتيهو دا لزول) ترد سكينة على جدة المولود الجديد ( عليك امان الله زي الماشفت شئ) ( نان بتقولي للنساوين البرة ديل شنو؟ بنية ولا وليد) ردت عليها سكينة الداية بثقة( بقولهن بنية في شان عندها الوليد ما تخافي وكمان بسميها ليك المنين) إطمأنت رابعة بت العطا جدة المولود على سرهم الكبير ولم تفكر كثيراً في مستقبل هذا الحفيد فالأيام كفيلة بما يأتي ولا علم لها بالغيب، ولما كبرت المنين التي إختفى اسمها الحقيقي وسط شهرتها ببت الشايب ظلت تتسآءل بينها ونفسها حول من تكون وهل هذا مرض ام امر طبيعي لكنها في بعض الأحيان تتناسى هذا الأمر وسط خضم الحياة، لكن الأمر الثابت هو بكاءها شبه المتواصل ليلاً وتحسرها على حالها وهي ترى صويحباتها وقد تزوجن وانجبن واصبحن جدات لعدد من الأحفاد الا هي،،، حاولت ان تحكي امرها لأحد الشيوخ الذي مر بقريتها زائراً لإحدى القرى الكبرى المجاورة لرؤية مريديه وأحبابه والإطمئنان عليهم فإستغل اهل القرية هذه المناسبة واستحلفوه لإكرام وفادته وتوافد عليه اهل القرية يشكون عللهم ويطلبون الدعاء والشفاء والغنى الا هي التي تراجعت عن قرارها بكشف سرها فقفلت عائدة لبيتها منقبضة الفؤاد وحال دخولها المنزل إنكفأت على وجهها واخذت بالبكاء..
بكت المنين بت الشايب بكاءاً مراً كما لم تبكي من قبل، وسألت الله ان يخرجها مما هي فيه فقد سئمت هذا الأمر فلا هي رجل حقيقي يعرفه الآخرون ولا هي إمرأة واضحة المعالم، هذا الإحساس جعلها تشعر بالغيرة أحياناً من حالة الإستقرار التي يعيشها اهل القرية وان لم تصل لدرجة الحسد فهي مؤمنة بنصيبها وبما خُلقت به، فاجأها عباس ود الماحي بقوله( ما تشيلي ليك هم انا بحل ليك المسعلة دي) ردت عليه بلهفة ( كيفن نان؟) ( اسمعي كلامي دا واديهو البحر انا بمش من دربي دا لحاج احمد وبقول ليهو انا داير بت الشايب على سنة الله ورسولو) سألته بتعجب ( قت شنو آآعباس) رد عليها ( السمعتي دا) اراد عباس ان يوقف تأزم بت الشايب ويساعدها في حل معضلتها وفي ذات الوقت يوقف السنة اهل القرية، فبعد ان علم ما تعاني منه إطمأن ان زواجه منها ليس زواجاً حقيقياً ولكنه زواجاً امام الناس فقط ومن ثم يتفاكران حول كيفية العلاج،، لم يصدق حاج احمد ما قاله اليه عباس( إت بي صحك آآعباس) رد عباس بثقة( عِلا جيتك فوق شنو؟) ( أكان كدي الله يتم ليكم عِلا والله ماني مصدق إت عباس المرقت قبيل حردان وضايق من سيرة العرس وسيرة بت الشايب بالخصوص) ( آآي عِلا دي قسمة الله بسوي شنو فوق القاسمو لي الله وانا المرة دي ظلمتها ساكت قبال أخبرا واعرفا دحين جيت طالبا منك) أجابه حاج احمد بموافقته وفرحته لحل مشلكة تأخر زواج بت الشايب التي ذهبت للإستعداد للزواج بين دهشة اهل القرية وفرحتهم الممزوجة بالتساؤلات حول الكيفية التي اقنع بها حاج احمد عباس بالموافقة على زواج بت الشايب،،،، فتحت بت الشايب نوافذ غرفتها الأثيرة والتي ظلت مغلقة لسنوات طويلة لكنها تفاجأت باطفال الحلة ينادونها من خلف النافذة بت الشايب المتل الراجل ماشة تعرس،، أغلقت النافذة وخرجت تعدوا خلفهم لإسكاتهم عما كانوا يتهامسون به امامها من حديث لاتجرؤ هي على قوله لأحد.

حكاوي الشخوص والأمكنة
aminafadol@gmail.com

Exit mobile version