الدابي

[ALIGN=CENTER]الدابي[/ALIGN] استمر هطول الأمطار طوال النهار وحتى بدايات المساء، تجمعت المياه حتى امتلأت بها الشوارع وتوقف انسيابها إلى خارج المنازل فتحولت الحيشان إلى بحيرات عظمى، خرج بعض الرجال كل يحمل طوريته في محاولة لتعميق مجاري المياه حتى تتصرف إلى خارج القرية .. حمل حاج (محجوب) طوريته بيد والبطارية بيده الأخرى بينما غطى رأسه بقطعة من مشمع قديم خوفا من البلل، وفي الطريق إلتقى بحاج (عثمان) الذى حمل طوريته أيضا واحتمى تحت فروة الصلاة، تبادلا الآراء واستقر عزمهم على البدء بتصريف المياه من الأعلى عند مدخل الطريق حتى تنساب من أمام بيوتهم، بدأ حاج (محجوب الحفر) بينما أمسك حاج (عثمان) بالبطارية ليكشف له مكان الحفر، وفجأة اصطدمت الطورية بجسم دائري غريب، تحرك الجسم بسرعة بعد الضربة ليتبينا أنها أفعى كانت منطوية على نفسها داخل المصرف، حاولت أن تلوذ بالفرار ولكن عاجلها حاج (محجوب) بضربة من طوريته همدت على إثرها حركتها، فقام بجذبها من المصرف وبخبرتهما الطويلة في أنواع الزواحف لطبيعة عملهما في الزراعة، وجدا أنها من نوع الأفاعي السامة والتي تعجل بمن تلدغه إلى الدار الآخرة رأسا .
عاد حاج (محجوب) إلى المنزل بعد أن توقف هطول الأمطار وانساب جريان المياه إلى خارج القرية، وعندما حكى لحاجة (نعيمة) والأولاد عن (الدابي) الذي قام بقتله، تأثر الجميع فتفاعل الأبناء إيجابيا مع الحدث وطلبوا من أبيهم أن يخبرهم عن مكانه ليذهبوا لرؤيته، أما حاجة (نعيمة) فقد توجست شرا وقالت بهم:
هسي الوداك تكتل الدبيب شنو ياحاج ؟ ماك عارفو بشيل التار؟ أها عاد أعمل حسابك وارجا أهلو اليجوك !!
أدخلت حاجة (نعيمة) بمخاوفها (الضبانة) على قلب حاج (محجوب) ولكنه سارع بطردها وتناسى الموضوع.
وبعد عدة أيام توضأ الحاج وأسرع للغرفة وتناول (الجلابية) من مسمار على الحائط و(قلبا فيهو)، وهم بالخروج لادراك صلاة المغرب جماعة بالمسجد .. عندها أحس بحركة جسم غريب وبارد على ظهره يتحرك داخل الجلابية، فأسرع بشد الجلابية بكل قوته إلى الأمام وقبضها على صدره بكلتا يديه ثم بدأ في الصياح:
الحقوا يا أولاد .. نادوا لي الحاجة وتعالوا علي بسراع !
تجمع الأولاد وجاءت الحاجة وهي تجر ثوبها على الأرض خلفها وتسأل:
في شنو يا حاج ؟ خلعتنا بالكوراك … مالك الحاصل شنو يا راجل ؟
قال حاج (محجوب) وهو يقبض على الجلابية بتشنج:
أول حاجة يا جماعة نحمد الله من قبل ومن بعد ونرضى بي (قسمتو) .
الحاجة: ده كلام شنو ياحاج أصلك دار تموت؟
أجاب الحاج : آي ياحاجة .. الدابي الكتلتو يوم المطرة جا واحد من أهلو ولبد لي جوه جلابتي وأنا لبستها ما عارف.. ودحين هسي أنا ما سكوا بالجلابية شديد عشان ما يفرفر.. لكن إن فكيتا ياهو الماشي يعضيني وأموت.
تعالت صيحات الفزع بين الأولاد، وفغرت الحاجة فمها دون أن تستطيع الكلام، وبدأت إبنته في النهنهه والبكاء .. واصل الحاج:
لالا يا أولاد ما دايركم تتجرسوا .. الموت علينا حق والحياة باطلة.. ودحين أسمعوا وصيتي النوصيكم .
تعالى بكاء الإبنة ووضعت الحاجة كلتا يديها على هامة رأسها، قال الحاج موجها كلامه لابنه الأكبر:
وصيتي ليك أمك وأخواتك .. أمانة في رقبتك بعدي .. تبقى في محلي وتسد فرقتي .
واصل الحاج التوصية ففصّل مستحقاته وديونه على الناس وحسب حبال الواطة وشراكته لعمهم ثم التفت للحاجة ثم قال:
بدورك تعفي مني يا الحاجة ..في شيتا سويتو ودسيتو منك.
قالت في حيرة : قول يا حاج داسي مني شنو؟
أجاب في تسليم: أنا رامي لي حبل في مرتّا من حلة العكراب وعندي منها ولد.
قالت فزعة: سجمي.. حبل ؟ يعني أنت معرس فيني ياحاج ؟ أهي يا راجل يا ما بتختشي.
قال: هسي دا ما وكتو يا حاجة.. أعفوا مني كلكم .. ودعتكم لي سيد الوداعة ونبي الشفاعة .. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ..
عم الصمت وأرخى حاج (محجوب) قبضته عن الجلابية ليسقط من داخلها ضب كبييير !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version