صابر المثابر

[B][ALIGN=CENTER][SIZE=4][COLOR=indigo]صابر المثابر[/COLOR][/SIZE][/ALIGN][/B] عندما وصلت (مناهل) في الصباح لمبنى الولاية .. دفعت باب مكتبها شبه الموارب، فلمحت مركوب فاشري أحمر مترّب، قد إرتفعت مقدمته بفعل عوامل التعرية والزمن، فصار وكأنه ينحني بـ (البوزّ) إنحناءة إجلال لقدمي صاحبه على اخلاصها له، ومداومتها على لبسه آناء الليل وأطراف النهار لأكثر من عام، حتى تآكل وتفتحت طبقات نعله كأوراق الزهرة ..
ما أن رأت (مناهل) الأحمر الما بيغباها، حتى تيقنت أن من ورائه (صابر المثابر)، فتمتمت لنفسها في ضيق:
وووب عليّا الليلة يومي أبيض .. صابر جاي يتلّحْني تاآآآآني !
دخلت دون أن تنظر إليه وأكتفت بالهمهة بـ (السلام عليكم)، عندما مرت من أمامه وهي تتوجه نحو مكتبها لتجلس خلفه، ثم انهمكت في ترتيب الأوراق والملفات المتكدسة على سطحه .. مرت أكثر من ساعة قضتها (مناهل) في تصريف أمور مكتبها، تبادلت خلالها خشم خشمين مع كل من مرّ بمكتبها من الزملاء والزميلات ليلقي عليها تحية الصباح، قبل أن تلتفت ناحية (صابر) وتسأله السؤال المعتاد رغم أنها كانت تعلم الإجابة سلفا:
خير يا أخ صابر .. في حاجة ممكن أخدمك بيها ؟
تنحنح وسعل قبل أن يقول بصوت خفيض مهذب:
نعم حضرتك .. أنا جيت داير أقابل جناب الوالي.
سألته وكأنها تسمّع في حوار مسرحي محفوظ:
عايز تقابل سعادتو بخصوص شنو ؟
فأجابها بنفس التهذيب والهدوء:
لا مؤاخذة بس دايرو في موضوع خاص !!
ورغم يقينها من نتيجة مسعاها إلا أنها حاولت أن تزحلق (صابر) وتيئسه من المقابلة فقالت بهزة أسف من رأسها:
خسارة لكن والله .. للأسف الليلة سعادتو عندو طواف ميداني وبعدو حا يخش إجتماع مع مستثمرين برّة المكتب ..
ثم أكدت قولها بحركة نفي من يدها وهي تقول:
يعني كلوكلو ما حا يجينا بي جاي الليلة !
فأجابها بما توقعته تماما ووطنت نفسها عليه:
ما مشكلة بقعد استناهو يمكن يغير رايو ويجي.
يقول توماس أديسون: (كثير من حالات الفشل في الحياة كانت لأشخاص لم يدركوا كم كانوا قريبين من النجاح عندما أقدموا على الاستسلام) وهذا ما لم يكن (صابر المثابر) ليسمح بحصوله معه، فهو لا يستسلم لليأس ولا يسمح للفشل بأن يكون نتيجة مسعاه في سبيل الحصول على شيء يرغب في الحصول عليه .. فعندما يبدأ صابر في شق طريقه نحو هدف وضعه نصب عينيه، فالمثابرة والثبات هي طريقه المضمون لبلوغ النجاح ..
قد يسمي بعض المقرضين المشائين بالحسادة إلحاح (صابر) ومثابرته (لياقة)، حتى أن منهم من إدعى بأنه هو ذات نفسو بطل طرفة تحكي عن رجل حضر لزريبة البهائم في الصباح الباكر لشراء خروف، وبعد أن إختار مبتغاه بعناية زادها خبرته الطويلة في شئون السعيّة، أمسك بذيل الخروف وبدأ في مفاصله صاحبه على السعر في مثابرة وإلحاح دفعت صاحب الخروف بعد غروب الشمس، لرمي يمين مغلظة على (صابر) بأن (شيلو مجاني لا قرش ولا تعريفة .. بس أختاني) !
لا أحد يدري عن السبب في هداية (صابر) على درب مكتب والي تلك الولاية الوسطية، وأقنعه بأن في يده الحل والربط، فعندما ضاقت عليه سبل العيش ذات مرة، يمم شطر مكتب الوالي فكان يحضر يوميا في الصباح الباكر ويجلس في صمت مطبق انتظارا لحضور معاليه، وكلما حاول طاقم المكتب التدخل لزحزحة (صابر) عن مجلسه ودفعه لمغادرة مكتب الإستقبال يفشلوا فيتركوه، وهكذا ظل يداوم على الحضور يوميا مع بداية الدوام ويظل جالسا حتى انتهاء اليوم ومغادرة آخر موظف في العصر، وبعد مرور اسبوع توقف أمامه الوالي فجأة أثناء مروره من أمامه وسأله عن غايته، فأخبره (صابر) برغبته في الحصول على تصديق بـ (كشك) ..
أمر الوالي بإستخراج التصديق فورا ومعه إعانة مالية زيادة خير حتى ينفك من مصاقرة (صابر) وجلوسه أمام مكتبه، ولم يدر بأنه قد فتح على نفسه باب ريح لن يستريح بعدها لا هو ولا أفراد طاقم مكتبه وأولهم (مناهل)، فقد تعود (صابر) أن يغيب بضعة أشهر ثم يحضر طلبا لتصديق بقطعة أرض .. إذن أعفاء من رسوم النفايات .. مساعدة زواج .. إلخ، حتى صار موظفي الولاية يضعون العراقيل أمام دخوله ولا يسمحون له حتى بعبور بوابتها، وظنوا بذلك أنهم قد ارتاحوا من مثابرة (صابر) إلى أن تناهى لأسماعهم صياح (السكيورتي) ذات صباح، وإعلانهم عن تمكن مواطن من التسلل لقمة المبنى وتهديده بأن يلقي نفسه من أعلى .. وعندما اتضح أنه (صابر) سألوه عن بغيته، فأجاب بأن شغل الكشك واقف وداير ليهو تصديق رقشة أو سيضطر لرمي نفسه من أعلى فيتكسر حتة حتة .. !
صمت الجميع في عجز إلا (مناهل) فقد قالت بعد أن استوعبت شمار الموضوع:
بالله زحوا ليهو خلوهو اليتلب طوّالي !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version