إلتفت (سعيد) ناحية (عماد) وقبل أن يفتح فمه بسؤاله الحائر: (المره دي شفتها وين؟)
بادره (عماد) بإيماءة من رأسه وقال:
ياها ذاتا .. أوع تكون مقْلبتك انت برضو ؟!!
سأله (سعيد) بحيرة أكبر:
ياها منو ؟ وتمقلبني في شنو؟ المره دي بتشبه ليها واحدة جاتنا في الشركة قبل حوالي أسبوع، وقالت عايزة يساعدوها في حق رسوم الجامعة عشان بتّها ما تتحرم من الإمتحان .. بس ديك كانت مره غلبانة ومنكسرة ودي زولة وجيهة وباين العز في جضوما البتلامعن ديل !!
قاطعه (عماد) في إنزعاج: أوعى تكون شالتك الهاشمية واديتا قروش يا فالح ؟!
إضطر (سعيد) لأن يعود مع (عماد) لداخل البيت مره أخرى، لإستيعاب الموضوع بدلا عن فتّ الشمار بجوار باب الشارع كما تفعل الحريم، وفي الداخل شرح (عماد) لصديقه حقيقة الشكوك والغموض الذي يحيط بتلك السيدة بعد أن اشترت المنزل المقابل من جارهم رجل الأعمال، والذي كان قد أهلك مالا لبدّا في سبيل تشيده على أحدث طراز، ثم إضطر لبيعه بتراب القروش لسداد مديونيته للبنوك في ذات زنقة تمويلية شالت بقلّة بركتها القدامو والوراهو ..
جاءت تلك السيدة لتقيم في البيت ولكن لم تحاول أن تختلط بجيرانها قط، ولم يدر أحد من الجيران شيئا عن أفراد أسرة السيدة غير القليل الذي أشاعته هي بنفسها في الحي عبر (الشغالات)، من انها قد عادت من الإغتراب مع بناتها الشابات للدراسة الجامعية وتركوا خلفهم والدهم على أن يكتمل إجتماع شمل الأسرة في الإجازات ..
توقف (عماد) عند هذه النقطة ليلتقط أنفاسه فإستحثه (سعيد) للمواصلة بسؤال:
أها .. طيب المره دي علاقتا شنو بالتانية الجاتنا طالبة المساعدة .. تكون أختا ؟
ضغط (عماد) على كتف (سعيد) في وكزة شمارية محترفة وقال:
أختا شنو ياخ ؟ دي ياها ذااااتا .. ناس كتير بيقولوا شافوها لآفة على الشركات والمكاتب عشان تلم المساعدات على حس مصاريف الجامعة للبنات ..
سكت (عماد) برهة ليترك فرصة لصديقه المحتار كي يستوعب الموضوع ثم واصل:
الغريبة انها بتعمل كده وهي بتمثل دور واحدة غلبانة ومكسورة ولابسة هدوم بسيطة لكن في الحقيقة هي أغنى مني ومنك .. والله أكيد ديل لا مغتربين ولا شافو الإغتراب بي عينهم .. شغلا ده شغل منظم ووراهو عصابة عدييل بس ما لاقين زول يجيب لينا روقو
دق (سعيد) على صدره في تحدي وقال:
أنا بجيب ليك روقا .. أصلو أنحنا قلنا ليها تعالي لينا أول الأسبوع لما نصرف المواهي .. أصبر بس شوفني بسوي شنو !
انشغل (سعيد) في بقية أيام الأسبوع بحكاية السيدة، خاصة وأنها عندما جاءت للشركة كانت تحمل صور لشهادات وأوراق رسمية من إحدى الجامعات تفيد بأن الطالبة (….) التي ادعت أنها ابنتها عليها تسديد رسوم وقدرها كذا .. بحث في ادراج مكتبه عن تلك الأوراق التي تركتها له حتى لا ينسى الموضوع، وعندما وجدها بادر بالذهاب لتلك الجامعة وهناك سعى لمقابلة أحد المسئولين في شئون الطلاب، وبعد أن حكى له القصة طلب منه أن يتأكد ما إذا كانت الطالبة المذكورة ضمن طلابهم.
عاد (سعيد) لمكتبه بعد أن تأكد أن الأوراق مزورة ولا توجد طالبة بهذا الإسم في تلك الكلية، لذلك كان ينتظر على أحد من الجمر حلول المواعيد التي ضربوها للسيدة كي تحضر فيها لإستلام مساهماتهم معها في المصاريف، وفعلا في اليوم الموعود دخلت عليهم نفس السيدة ولكن بغير الهيئة المنعّمة التي رأها بها أمام بيت صديقه، بل جاءت على وجهها نظرة إنكسار وقد لفت جسدها بثوب باهت قديم ، فما كان من (سعيد) إلا أن أخرج من درج مكتبه إفادة شئون الطلاب بأنه لا توجد لديهم طالبة بهذا الأسم وناولها لها في صمت ..
ما أن تناولتها من يده ومرت بعينيها على سطورها بسرعة حتى إنهارت جالسة على أقرب كرسي وقالت وهي ترتجف بشدة:
أسترني .. الله يستر عرضك
فأجابها (سعيد) بهزة أسف من رأسه:
انتي والوراك حقو تعرفو الله في الأول .. حرام عليكم البتعملوهو ده كتلتو بيهو المروة بين الناس.
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com
