كلام جرايد ساي نشكّر الراكوبة في الخريف !

[B][ALIGN=CENTER][SIZE=4][COLOR=darkblue]كلام جرايد ساي
نشكّر الراكوبة في الخريف ![/COLOR][/SIZE][/ALIGN][/B] كلو تمام .. حاجة تمام !
المشكلة إني ما قاعدة اتكلم في السياسة، هسي لو ما كده أكان علّقت على تصريح أحد المسئولين، الذي ذكر فيه أن الاستعدادت للخريف تمت بنسبة ٧٥٪، حيث أشار سيادته إلى أنه قد تمت بحمد الله – الذي لا يحمد على مكروه سواه – فتح جميع المجاري وترميم الكباري حسب التقارير التي وردت إليهم من المحليات !!
الكلام ده حصل وين ؟ غايتو إلا كان في محلية (أم طرقا عراض) !!
فقد حكمت علي الظروف بأن أغادر بطن بيتي في صباح الجمعة عقب أمطار الخميس الجيهتنا تمام وبلّت ريقنا بعد عطش، وإحقاقا للحق فقد كانت مياه الأمطار قد غطت الأفق وملأت جميع الحفر والعالي واطي بكفاءة منقطعة النظير .. حقيقة ابداع خلى الواحد يحس بعظمة أن تعيش وسط البحيرات العظمى، ورومانسية السكن في فينيسيا .. تقول لي يفتحوا المجاري عشان نفقد بهجة المنظر ؟ ثم إنو هو ذاتو الموية وينا ؟ نحنا لاقنّها وين عشان نسمح ليها تتصرف وتمشي البحر .. أخير خلّوها قبلا .. دايرنّها بي جنّها وجنادبا وباعوضا .. بتنفع !
غادرت البيت مع العيال لزيارة شقيقتي التي تسكن غير بعيد، حيث أضطرتنا ظروف المطر والبحر ودقة القيفة قدام الباب، لإمتطاء ظهر (رقشة) مرت صدفة بي بيتنا، وذلك لأن سيد الإسم (بي عافيتّو) مطران عند أهلو في الجزيرة .. شقت بنا الرقشة عباب الماء بسرعة شكّلت خلفها دفعات من الموج، كانت ترتضم بحيطان البيوت، فخبرنا روعة الإحساس بأننا نمتطي (لنش) يمخر بنا عباب النيل ورزاز الماء يتطاير من حولينا وعلينا، خاصة عندما عبرت بجانبنا إحدى الفارهات، زادت طينتنا بلّة حين كتّحتنا بعجاج موية اللساتك فابتلت منا المتن والحواشي .. ما فضّل لينا غير نقطع في الحاصل قصيدة !
تقلع .. تلبس بنطلون !
خلال الفترة التي عملت فيها بمركز تحاليل طبية في بداية حياتي العملية، كان يساعدني كـ محضر معمل فتى أثيوبي صغير يدعى (مسقّاني)، كان طالب بكلية الطب في بلاده قبل ان تقتلعه الحرب وتلقي به لوهدبة الغربة، وكان عزمه أن يجمع من عمله ما يعينه للهجرة إلى كندا لمواصلة دراسته، وقد كان فضوليا ممتلئ بالرغبة في معرفة كل تفاصيل الحياة السودانية والإسلام والمسلمين، وفي مرة سألني عن الحجاب وهل يجب أن أظل أرتديه ليل نهار ولا أخلعه أبدا ؟! فأوضحت له أن الأمر أعمق من ذلك فالحجاب يلبس للسترة من الغرباء من غير المحارم، لذلك فلا بأس ان خلعته في البيت وارتديت ما يريحني من ثياب .. وقبل أن يجف مداد كلماتي التي جف ريقي في شرحها، حضر أحد أصدقائه فقال له (مسقاني) في فخر التلميذ النجيب:
انت ما تشوف منى ده يلبس كدآآآ .. كدآآآ
(واشار بيده حول وجهه كناية عن الخمار) ثم أردف:
منى ده .. أول ما ترجع بيت .. تقلع تلبس بنْتلون !!!
فتمتمت في نفسي في ذهول:
انت بالتقلع راسك من جتّتك .. هسي القال ليك كدي منو ؟!!
لباس البنطلون و(حمى ليلة الجلد) هما الشغل الشاغل لمجالس البلدة المتضايق أهلها في هذه الأيام، ولقد دعاني الكثير من أصدقاء اللطائف لادلو بدلوي في القضية التي تمس بوجعها بنات حواء في اللحم الحي .. حقيقة لم أكن أنوي سوى أن أشارك بأضعف الإيمان وهو عدم الرضا عن الحاصل ليس جبنا ولكن جهلا بقوانين النظام عامه وخاصه، فذاك شعرا ما عندي ليهو كتافين، ولكن استوقفني تصريح من والينا (الخدر)، مما يفهم منه أنه يتحدث عن قضية المحاكمة بطريقة (أياك أعني فأسمعي يا جارة)، وذلك حين ذكر بأن هذه القوانين مستمدة من الشريعة الاسلامية المطبقة في الشمال ..
أحسب أنني أعرف عن والينا (الخدر) أنه رجل تقي يخاف الله، لذلك أجد فيّ شيء من الجرأة على طرح سؤال محرّق روحي:
من الذي في يده سلطة تقييم أن هذا الزي فاضح أم عادي أم ساتر في الموقف المعين، قبل الاستعجال ببهدلة بنات الناس وسوقهم إلى الاقسام ؟ فمن المعلوم أن مجرد أعتراض امرأة من جهة نظامية ولو بمجرد لفت النظر، يعتبر بصمة فيش وتشبيه على اخلاقها وسمعتها !
حكاية (تلبس بنتلون) أوردتها في معرض حديث حساس أرغب في أن أوضحه في هذا المقام .. رغم التزامي بالحجاب منذ تقريبا بلوغي مبلغ البنات، ولكن هذا لا يمنع احترامي وتقديري التام، لغير المحجبات فمنهم بعض أخواتي وقريباتي وصديقاتي وكل عشيرتي، ولا أملك لهم سوى الدعوة بالهداية فانك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء ..
عدم الالتزام بالحجاب لا يقدح في أخلاق المرأة ولا يعني أن توصم بالفعل الفاضح أو أن تعامل بصورة غير لائقة، ورغم أن هناك من بناتنا الصغار من يجبرنك على نتف صويفاتك من سوء ما يرتدين من ضيّق ومحزّق، ولكن نحن شعب روحه في شرف بناته وسمعتهن ولا نرغب لا سمح الله بأن يمس فيهن، لذلك ندعو ونناشد أولياء أمرنا أن يكفوا بناتنا شر (البهدلة) وإهدار الكرامة .. وربنا يصلح الحال.
وكتمت أشواق الحنـين داير الدموع يتـقّـلو !
بمناسبة المطر وجو العصيدة بي ملاح التقلية .. استنطق (عادل الشوية) صاحب (هـجرة عـصافير الـخريف) الرائع اسحق الحلنقي، وسأله عن مناسبة القصيدة وهذا نوع من الشمار لا أحب أن أعرفه، رغم اجتهاد الكثيرين في مطاردة الشعراء لمعرفة المناسبات التي قيلت فيها قصائدهم، لأن معرفة تلك التفاصيل في رأيّ – تذهب بسحر وغموض القصيدة، وقد تخالف الصورة التي كنت تضعها في ذهنك عندما تسمعها، ولعلي حكيت عن احساسي عندما سئل صاحب (قالوا علي شقي ومجنون) الكاسرة فيني ضلعة عن مناسبتها، فأجاب : (كتبتها ساكت كده بس) .. عاد ده كلام ؟
على كل حال، لم يخيب الحلنقي ظني في الظروف التي جاء مخاضها برائعة وردي المكسرة ضلوع السودانيين جت عليهم، فقد قال أن الرزاز وبقايا مطرة مع صوت عصفور حزين في عشة أعلى الشجرة، كلها دفعت بدفقات الحنين لكسلا واهلها في عروقه فكان ميلاد القصيدة ..

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version