سنوات مضت وأنا أتمرغ في بلاط صاحبة الجلالة.. أتعلم منها.. وألوذ بها.. كبرت تجربتي ونضجت.. واشتد عودي وعود قلمي.. عركتني الوقائع والأحداث فتغيرت نظرتي للناس والحياة.
تعلمت الشجاعة واكتشفت الطاقات الكامنة بداخلي وقدرتي على المبادرة والتعبير والتميز وابتكار المفاهيم وعرض الوقائع والبحث عن الحلول بإيجابية ولأهداف إنسانية نبيلة.
اختبرت أيضاً تجارب جديدة وشخوصاً عديدة، ورأيت الوجه المخبوء للعديدين، وكيف يمكنك أن تتلون وتداهن وتبدو براقاً من الخارج وحالك السواد من الداخل!
زال بعض انبهاري وأصبحت أتحلى بالواقعية، إذ أنك من خلال مهنتنا هذه ستتعلم أن يكون ولاؤك فقط لقلمك وانحيازك لمشاعرك وأفكارك وظروفك.. فحالما تهاونت في حق نفسك وقضاياك سينقرض وجودك شيئاً فشيئا، وتصبح نسياً منسياً لا أثر لك ولا تأثير!!
كل هذه التغيرات وأكثر عبرت سماواتي من خلال تجربتي القصيرة المتواضعة مع الكتابة.. ورغم جميع المتغيرات الجوهرية والسطحية التي اعترتني ظل الطقس الداخلي الوحيد الذي لم ولن أتخلى عنه هو شهية الصدق في الكتابة!
تلك المتعة العظيمة التي أنغمس فيها كلياً وأنا أتجرد من كل شيء إلا روحي والقلم! أو إن شئتم الدقة.. روحي والـ (كي بورد)..
لماذا أكتب عن كل هذا اليوم؟ ربما حفاظاً على ذات المعدل من الصدق، فهذا ما تهفو روحي لكتابته في هذه اللحظة.. وأريد أيضاً أن أشير إلى أن كل كتاباتي تعنيني بالضرورة.. واقعها وخيالها.. حكاياتها وخواطرها.. مشاعرها وأشعارها.. لم أعمد يوماً لاستخدام هذه المساحة لتصفية أي حسابات شخصية أو خلق مشكلة مع أحدهم من العدم دون مبرر منطقي!
لا أحب جرح المشاعر أو الاستفزاز.. وكل ما أكتبه لا يعدو كونه مزاجي الخاص وخاطراً يطوف برأسي.. قصصي القصيرة أبطالها غالباً من نسج خيالي، فإن رأى أحدكم فيها تشابهاً مع واقعه فهي ليست مشكلتي، ولكنها مؤشر إيجابي يؤكد نجاحي وموهبتي.
نعم.. أكتب عن استيائي في وقته.. وعن فرحي.. وعواطفي الجياشة.. لا أستطيع أن أفصل حالتي النفسية عن التزامي اليومي بالكتابة لكم.
فرجاءً.. احتملوا تلك الطفلة التي لا تريد أن تكبر بأعماقي.. والتي تهرع إليكم كل صباح بكل براءة وحسن نية ومحبة.. طبيعتي الإنسانية لا تتعارض أبداً مع اندياحي الراتب.. ولم أكن يوماً من الخبثاء أو الأشرار، فلا تحملوا كتاباتي يوماً ما لا تحتمل.. واعلموا أني أبسط من البساطة.. وأسوأ ما فيني على أيامنا هذه التلقائية والاندفاع والانفال السريع الذي يجعلني أتصدى دائماً لمشاكل الآخرين وحلها وتبني مواقف بطولية ودخول معارك في غير معترك لا لشيء إلا تضامناً مع إنسان قد أكتشف لاحقاً أنه لم يكن يستحق!!
فالحمد لله على نعمة الصدق والوفاء.. وعلى تجليات الكتابة بكل شجنها وشجونها.. وعلى ولوجي لعالم الصحافة الكبير المتناقض الذي تعلمت فيه الكثير المثير، وأدركت تماماً أنك إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، وإن واقعك ألمهني لا يجب أن ينفصل كثيراً عن أحوالك الشخصية، فهذا هو الضمان الوحيد لملامستك أعماق القارئ والاستحواذ على احترامه وضمان متابعته التي لولاها لم ولن تكون.
تلويح:
تتشابه الأحوال والأمنيات والحكايات والأزمات.. ولكن يختلف السلوك بحسب نقائنا الداخلي وصدقنا.. فاصنع لنفسك حكاية جميلة حتى إذا ما كتبت.. تسعد أنت بقراءتها أولاً.
(تنويه: طبع اسم حساب الفيس بوك الجديد الخاص بي معكوساً في مقال البارحة.. إنه داليا الياس باللغة الإنجليزية Dalya Alyas).
[/SIZE][/JUSTIFY]إندياح – صحيفة اليوم التالي
