بعد خروج حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي من آلية الحوار الموسومة بـ(7+7)، ثم ظهور الشيخ الترابي بمظهر المتحمس للحوار، سُئل الشيخ الترابي، عن ماذا إذا كان المطلوب من الحوار أن يمضي في اتجاه توحيد الحركة الإسلامية، فرد الترابي: “لماذا لا يكون في اتجاه توحيد كل السودانيين؟”. وعندما سُئل الأستاذ علي عثمان في صحيفة (الرأي العام) نفس السؤال أجاب نفس الإجابة قائلاً إنهم يرمون لتوحيد كل السودانيين. لقد بدا لي أن كل الإسلاميين الذين أصبحوا الآن حوالي خمسة أحزاب، صاروا رافضين لحكاية العودة لتنظيم واحد، وعلى أحسن تقدير يمكنهم العمل في شكل تحالف في ظل تجمع مع آخرين.
الانشقاقات الحزبية لم يبدأها الإسلاميون ولن يختموها، ولكن الشاهد أن الانشقاقات في الأحزاب العقائدية كالحزب الشيوعي مثلاً، دوماً تقوم على مرتكزات فكرية، أي على أفهام متباينة للنظرية التي كانت تجمع بينهم في حزب واحد، لذلك يكون الصراع بينهم على أشده عندما يحدث الانقسام، وقد قالها الراحل الأستاذ محمد إبراهيم نقد للأستاذ ضياء الدين بلال: إن الانقسام عبارة عن قطع في الشريان يجعله نازفاً. ولكنَّ الإسلاميين الآن يقولون إن مرجعيتهم واحدة، وإنه لا خلاف فكري بينهم، كما إنهم يعترفون بأن الطموحات الشخصية لها دورها في الانقسام، وعلى أحسن الفروض خلافات في كيفية إدارة الحكم، لأن كل هذه الانشقاقات حدثت لهم وهم في السلطة، فالأمر في معظمه صراع على السلطة.
طيب يا جماعة الخير، طالما أن الأمر صراع على السلطة، يمكن العمل على شكل من أشكال الاقتسام لها، ولكن هذا أيضا ليس مطروحا. وفي تقديري أنّ هذا يرجع للظرف السياسي العالمي والإقليمي، فكلاهما لا يسمحان بظهور تنظيم إسلامي حاكم. وقد يتعامل النظام السياسي العالمي مع نظام إسلامي قائم كأمر واقع، على أمل إفراغه من محتواه المرجعي والإسلاميون يعون ذلك جيداً، وبالتالي يتوجب عليهم إذا أصروا على ممارسة العمل السياسي، أن يتعاملوا مع هذا الظرف الدولي والإقليمي بكل وضوح بعيداً عن الدغمسة. ليس المطلوب نزع المرجعية، كما ينزع الثوب، إنما المطلوب تطبيق سياسات تستوعب الآخر وتفك الاحتكار السلطوي.
تلك السياسة الانفتاحية المشار إليها أعلاه تحتاج لمرجعية فكرية جديدة غير تلك التي أتى بها الإسلاميون للحكم، عليه فإن الأمر يتطلب جرأة على المراجعة، ولا شك أن الكثير من الإسلاميين كأفراد قد جهروا بتلك المراجعات، لا بل شيخ الترابي نفسه صدرت منه الكثير من المراجعات، ولكن المطلوب الآن المراجعة المؤسسية، وهذه تحتاج لجرأة، والعقبات أمامها كبيرة، فهناك المتشددون داخل التنظيم الحاكم، ولكن الأخطر منهم المتشددون خارج الدولاب السياسي، فهؤلاء كانوا عوناً لنظام الحكم الذي لجأ إليهم كثيراً لزوم التأجيج والتعبئة، فأصبح من الصعوبة تجاوزهم على الأقل في الخطاب.
إن الغزل في التجربة التركية وتجربة الغنوشي في تونس، وذكر مهاتير محمد في ماليزيا لا يكفي، فإن كان الإسلاميون يرون فيها المخرج من الأزمة الفكرية التي يعانون منها؛ عليهم الاتجاه لها مباشرة، ولا يمكن أن “تحاحي وتشرك في نفس الوقت”، والكلام الكثير يفسد العرض.
[/JUSTIFY][/SIZE]
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]
