الطلقة والطاولة.. السلم والثعبان

[JUSTIFY]
الطلقة والطاولة.. السلم والثعبان

مع كل جولة تفاوضية جديدة، كنا نكرر خطاب النصح للطرفين الحكومة وقيادات قطاع الشمال الذين هم قيادات المليشيات المتمردة، ننصحهم في كل مرة بأن ينتبهوا إلى أن الفرصة تتناقص وأن المكاسب التي يمكن أن يحققونها اليوم على طاولة التفاوض ستقل نسبتها عن المتوقع في الطاولة التي تليها وبمرور الزمن ستتبدد الفرصة تماما.. وذلك لأن الطرفين وبمجرد فشل أية جولة من جولات التفاوض، فإن ذلك يعني العودة الفورية للغة البديلة الحاضرة.. وهي معارك الميدان.!

وفي آخر جولات أديس، كنت أتوقع أن تكون قيادات التمرد وعت الدرس وأتت هذه المرة مدركة موقفها وعازمة على الوصول إلى اتفاق نظراً إلى الواقع الميداني الذي تتناقص فيه قوتهم بتناقص الدعم والإمداد الذي كان يصلهم من الجنوب.. كنت أتوقع أنهم قرأوا موقفهم قراءة صحيحة بالنظر إلى مسارات العلاقة بين السودان ودولة جنوب السودان التي كانت تمضي في اتجاه التحسن الذي يعني في نهاية الأمر التجفيف الكامل لخطوط الدعم الأساسية لمليشيات موجودة في نطاق محدد يمكن السيطرة عليه بمجرد التزام الجنوب بإغلاق حدوده ..

والعلاقة السياسية بين السودان وجنوب السودان إن لم تكن هناك رغبة صادقة في تحسينها وتطويرها من جانب دولة جنوب السودان، فإن هناك واقع يحتم ذلك وعوامل أخرى موضوعية وليست عاطفية تجعل من مصلحة جنوب السودان العليا والاستراتيجية في هذه المرحلة أن يحسن علاقاته مع السودان..

لكن وبالفعل جاء عرمان ورفاقه إلى أديس وجلسوا وأعادوا (حجوة أم ضبيبينة)، ثم أظهروا زهدهم في إنجاز الاتفاق وفق التسوية المطروحة أملا ً أو رهاناً على أن العودة للميدان ستجعل الصيد القادم أثمن وأكبر.. ومن الواضح جداً أن نوعاً من الضمانات الجنوبية كانوا قد حصلوا عليها أثناء وجودهم في أديس لأن عودتهم في الوهلة الأولى كانت فعلا ًعودة مدعومة دعماً ظاهراً على مستوى الميدان، لكن غباء قطاع الشمال تمثل في ثقته الكاملة في تلك التعهدات الجنوبية التي لم تستمر طويلا، فالجنوب (الفيهو مكفيهو) وبعد وقت قصير حدثت المواجهة بالاتهام الصريح من جانب السودان لدولة جنوب السودان باستمرار دعمهم للمتمردين مع التلويح والتهديد بالتعامل بالمثل، ثم وبعد تكثيف الضغط السياسي من جانب الحكومة السودانية عادت دولة جنوب السودان الآن – ولو مؤقتاً – إلى التزامها القديم تاركة (ناس عقار وعرمان والحلو ياكلو نارم) وبهذه العودة للالتزام المعلن انقطع الإمداد في الأسابيع الماضية الشيء الذي مكن القوات المسلحة من تحقيق انتصاراتها الميدانية الكبيرة والتي لو استمرت بوتيرتها الحالية فلن يكون هناك داع أصلا للعودة للتفاوض مع مسلحين مهزومين ميدانياً وحتى لو افترضنا أن عادت الحكومة للتفاوض معهم فإن الطرح سيكون مختلفاً والصيد بالنسبة للجبهة المهزومة سيكون فتاتاً من الحلم الذي ضيعوا فرصته بأنفسهم.

نحن نشد من أزر القوات المسلحة ونهنئها على انتصاراتها، فهي حامية التراب والعرض والأرض.. لكننا لا نزال برغم هذا الموقف نتمسك أيضاً بتحقيق السلام الذي هو الخيار الأمثل لخلق الاستقرار المطلوب.. ولن يتحقق ذلك الخيار ما لم يتخل تجار الحرب عن مكابرتهم ويتواضعوا مقرين بهزيمتهم وفشلهم في تحقيق الحلم المستحيل.. حلمهم بأن يهزموا الجيش السوداني.. وهم مجرد مليشيات وعصابات مسلحة.. وقد ثبت جلياً أنه ليس فقط هو الحلم المستحيل، بل هو الحلم القاتل والمدمر.. عودوا بهزيمتكم للتفاوض واستعينوا بنظرية (تلتو ولا كتلتو).!

شوكة كرامة:

لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

[/JUSTIFY]

جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version