تابعت في اليوم السابق لموقعة (العرضة) جانب من ما بثته القناة الجزائرية عن السودان فـ (تحير مني الفكر) .. ظلت القناة تبث رقصات شعبية أعتقد بأنها من أرشيف التلفزيون وربما تم تصويرها منذ زمن (حبوبتي بي رحطا)، ثم أعقبتها بـ افلام توثيقية – وللا اسمها وثائقية ما عارفة – باهتة مصفرة اللون من شدة القُدم لـ مسقط رأس الفنان (سيد خليفة) في (الدبيبة) تتخللتها مقاطع من عوينة أم صالح الغناء السوداني (إزيكم ؟) .. ده كل القدرنا نصدّروا للخارج عشان الناس دي تتعرّف علينا ؟!
– المقررات التي درسناها في زمنا – قريبات دي ما بعيد – كانت تتضمن جغرافية الوطن العربي بلد .. بلد، أما مصر أخت بلادنا الشقيقة فكان لها نصيب (فطور وغداء وعشاء الاسد من تلك المقررات .. أذكر أنني كنت أحفظ حتى مواقع المعادن والبترول والمناطق الصناعية في (ستة أكتوبر) ومدينة (حلوان)، بينما المقررات الدراسية في تلك البلدان خاصة مقررات الجغرافيا والتاريخ عند جارتنا (بت حارتنا البنريدا) لم تشتمل ولو على تاريخ احتلالها لديار محنّتنا لمرتين .. مرة مع الترك ومرة مع الانجليز !
– كل هذه المقدمة سقتها لنفسي (أولا)، في محاولة منّي لبلع كم الاهانات والازدراء والتعالي الذي (طفح) من أفواه بعض (سفهاء الاعلام) في حق مقدرتنا على تنظيم حدث رياضي بمستوى المونديال .. معايشتي لحبايبنا المصريين عبر خمس سنوات من عمري عشتها بينهم في الاسكندرية أيام دراستي الجامعية هناك، أعطتني فرصة لمعاشرة (عتريس) و(بهية) المصريين البسطاء عن قرب، وأرصد طريقة تقييمهم لنا كسودانيين .. حقيقة – ما كلام جرايد – المواطن المصري البسيط الذي لا نقول أنه (حلو كلام وقليل احسان)، ولكن نقول أنه يحب السودان والسودانيين ويهش لمقابلة السوداني ويغمره بالكلمة الطيبة ولو من باب (البكش) حرفتهم الابدية .. هذا التعامل الاريحي لا ينفي إحساس (عتريس) المصري بأن السوداني كـ (ماوكلي) ربيب القرود في الغابة وبالتالي فهو بسيط العقل يسهل الاستهبال عليه ..
– عندما تكون في بلد أجنبي أنت فيه غريب الوجه واللسان وتتعرض لاستفزاز وتغضب، فإنك حتما ستعبّر عن غضبك بلغتك الاصلية فتشتم وتسب برطانة آباءك الأوليين .. لاحظتو الحكاية دي ؟ الصدمة النفسية دائما ما تجبرك على ترك التجمّل وإظهار ما تبطن بداخلك .. وهذا بالضبط ما أحسب أن الاعلاميان (حجازي) و(أديب) قد وقعا فيه .. مكالمة الفنان (محمد فؤاد) و(هيثم شاكر) للبرنامج و(جرستهما) على الهواء مباشرة (ألحقونا .. نحنا بنموت !) (يا تحصلونا ويا ما تحصلوناش !) ربما – أقول ربما – تكون تسببت في صدمة للاثنين جعلت نظرة الاستعلاء في دواخلهما تغافل الدبلوماسية وتخرج، لتلحق بنا الهوان وتجعل من حكمة (اخر الجزاء أذى) خير تعبير عن مآل الحال ..
قلت ربما، لانني أعلم بأن الإعلام المصري يجيد تماما قلب الحقائق لصالحه ويعرف كيف يؤثر في الرأي العام، فبسبب ذلك (الهول والهيبوبي) الذي مارسه رسل الفن المصري على الهواء مباشرة وغنائهم (خوفي منك)، تحولت الانظار مية وثمانين درجة من البكاء بسبب حرقة الهزيمة، لتباكي الخوف والاشفاق على أحفاد رمسيس من الموت (تفليقّا وتفطيسّا) على يد الجزائريين .. وبعد اكتمال فصول المسرحية يتقدموا بطلب تظلم لاعادة المباراة مكتوب بدماء الكرامة السودانية المسفوكة في سبيل تلك الغاية ..
ولا يهمّكم منّهم، تحية وتعظيم سلام لكل من جعل هذا التحدي ممكنا .. الوالي والمريخ وقبلهما قواتنا النظامية التي اشرفت على تأمين الحدث، وتحية لكل جماهير شعبنا (الطيب) التي وقفت وقفة الرجال لتجعل المستحيل ممكننا .. ما بركة الما فاجأتنا المباراة زي ما قاعد يفاجئنا الخريف والعيد .. واضح إنو المفاجأت الـ (بالجد) ما قاعدة تفاجأنا !!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com
