قوش الذي عرفته ..

[JUSTIFY]في صيف غائظ ورد إلى مسامعي أن أحد الرموز الصحفية المعروفة بلغ به سوء الأحوال الاقتصادية أن يعيش في داره بدون ثلاجة..

كان الأمر بالنسبة لي مثل الصاعقة.. الرجل الذي كان ملء السمع والبصر وتتلمذنا في مدرسته الصحفية حيناً من الزمن.. ذهبت مع صديق عزيز ودفعنا مقدم ثلاجة قديمة وطلبنا من صاحب المتجر أن يمهلنا بعض الوقت لتدبير باقي المبلغ.. وضعت على منضدة مكتبي بعض الأسماء المعروفة باتساع المقدرة المصحوبة بالرغبة في الإنفاق على الخير.. فجأة عن بخاطري اسم الفريق صلاح قوش.. استجابة الرجل كانت فورية.. أرسل قوش ثلاجة جديدة وطلب مني أن أحجب اسم الراسل.. عندما وصلت الهدية إلى فيافي أم درمان كان أستاذنا يشكرني باعتباري فارج الكرب.

علاقتي بالفريق قوش لم تبدأ بحسن النوايا.. كنت أحمله شخصياً رهق تجربة عشتها بعد مفاصلة الإسلاميين.. وكثيراً ما كانت تصريحاته الإعلامية في مساندة الحكومة محط انتقاداتي.. بل طلبت منه يوماً على الملأ وفي مؤتمر صحفي أن يعتذر لرموز المعارضة السياسية قبل أن يبتدر معها حواراً رعته مستشارية الأمن القومي.. غضب يومها نائبه اللواء حسب الله عمر واكتفى صلاح قوش بابتسامة تحمل أكثر من تعبير.

بعد أن فارق صلاح قوش التكليف الرسمي في الدولة بدا منفتحاً على الجميع.. وإن شئت الدقة أن التحول في شخصية صلاح قوش من شخصية عسكرية متجهمة إلى أخرى تبحث عن دور سياسي مدني بدأت عقب اختياره مستشاراً لرئيس الجمهورية معنياً بملف الأمن القومي.. مولانا الميرغني زار قوش في داره في زيارة تحمل مدلولات.. فيما أكثر قوش جلسات الحوار مع الإمام الصادق المهدي.

أما نحن معشر الصحفيين فقد فتح لنا قوش أبوابه.. بدأ قارئاً جيداً للأحداث تسنده في ذلك إحاطة شاملة بالمعلومات.. رغم أن معظم أحاديث الجلسات كانت مجرد ونسة إلا أنني استشفيت أن الرجل بدا غارقاً في مساره الجديد كرجل أعمال.. لم تكن تجارة عمولات.. بل «بزنس» يسعى على قدمين.. حيناً يستورد قمحاً ووقوداً.. وفي بعض الأوقات يصّدر ماشية ولحوماً.. كان في إحساسنا أن توسع قوش في الاستثمار كان برضا ومباركة الحكومة.. في بلدنا هذا الحكومة تغنى وتفقر.

سألته ذات مرة لماذا تحيط نفسك في التجارة ببعض الضباط المتقاعدين.. كنت أعني أن ذلك ربما يغضب بعض مراكز القوى في الدولة.. كان رده هل تريدني أن أتنكر لرجال عاشوا معي أصعب الظروف لمجرد هواجس وافتراضات.

لا أذيع سراً أن قوش كان في جلسات الدردشة التي تذهب فيها الهواجس يكن احتراماً كبيراً لرئيس الجمهورية.. بل كان يعاتبني كثيراً ويذكرني دائماً أن القائد الأعلى للجيش يجب أن يكون خطاً أحمر.. حتى شهادته في الأستاذ علي عثمان محمد طه كانت تقر للرجل قدرته على حفظ التوازن.

كنت على يقين أن الفريق صلاح قوش قد زهد في السياسة في الوقت الراهن.. وأن خطته في العمل العام ستأتي عبر بوابة المقدرات المالية والانفتاح على الآخر.. كان ذلك يقيني وكثير من الزملاء الصحفيين الذين يزورن صلاح قوش إلى أن أتى بيان وزير الثقافة والإعلام.

هذه شهادتي لله في رجل عرفته لبعض الوقت.
عبدالباقي الظافر

السودان اليوم

[/JUSTIFY]
Exit mobile version