باقان أموم في حربه وسلامه واستقالته !! (3/3)

باقان أموم في حربه وسلامه واستقالته !! (3/3)
باقان اموم الذي عرفته عن قرب، وتحدثت معه في حوارات امتدت للساعات الطوال، ومقابلات عند زيارته للقاهرة هي التي مكنتني من اكتشاف الكثير من الجوانب السياسية والإنسانية في شخصية الرجل، فوجدته السياسي المحنك الذي لا يشق له غبار و(الداهية المتثعلب) أحيانا! وهو كذلك المتحدث اللبق بعربية فصيحة ومفردات موغلة في(العروبة) بصورة مدهشة وهو المستشهد بآيات الله وأحاديث رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لإثبات حجته من أصول ديننا الإسلامي الحنيف رغم انه مسيحي ملتزم بدينه!!
وهو الرجل المثقف جدا والقارئ النهم لكل ما يقع تحت يده من كتب بكل أنواعها، وهو أيضا الرجل السوداني الشهم، والذي برغم مكانته في تجمع المعارضة وقتها ووضعه في أقوى الحركات الجنوبية نزل يوما من تاكسي كان يركبه مع سواق مصري لأن التاكسي تعطل، فما كان من اموم إلا أن نزل وبدأ في دفع السيارة مع صاحبها، وعندما سألته كيف يفعل ذلك وهو صاحب المنصب السياسي الكبير قال لي بالحرف (لا أحب أن أكون رجلا متخاذلا أترك السائق يدفع بالعربة وأنا جالس بداخلها)!!
وباقان اموم كذلك هو الرجل المحسن للفقراء، الكريم الذي يعطي بيمينه ما لا تعلم عنه شماله، وهذه حقائق أعرفها وأعلم انه قد لا يريدني أن اكتبها، ولكنها حسنات تسهم في تبيان جوانب أخرى من شخصية الرجل المشاكس المثير للجدل والمبغوض من الكثيرين الذين يرون انه كان سببا مباشرا في انفصال الدولة السودانية شمالها عن جنوبها!!
وحقيقة لا أدري أي أحاسيس بالغبن جعلت من الرجل انفصاليا بهذا الشكل بعد موت الزعيم جون قرنق وبعدما كان ميالا للوحدة، وكان حديثه في حواراته السابقة معي يؤكد ذلك حيث كانت عباراته المتكررة (نريد سودانا موحدا على أسس عادلة) كما كان ينادي بذلك زعيمه وشيخه الراحل جون قرنق دي مبيور!!
كان أموم يقول لي في حواراته: إن الظلم الذي وقع عليه وأهله الجنوبيين من الشمال لا يمكن نسيانه ولكن يمكن التسامح فيه، وكان يقول إن (الحكومات) هي السبب في تأصيل إحساس الظلم في نفوس أهل الجنوب وليس (الشعب في الشمال) وكان يقول إن الدولة السودانية يمكنها أن تسع الجميع في الشمال والجنوب بإعطاء كل ذي حق حقه دون ظلم لجنوبي أو شمالي .!!
كان يقول الكثير المفرح والمطمئن بوحدة السودان إلا أن موت زعيمه وشيخه د. جون قرنق قد أربك حسابات الحركة الشعبية كلها، وليس حساباته فقط فانقلبت لغة اموم الوحدوية، وصارت انفصالية وبدأت المشاكسات بينه ود. نافع علي نافع تُعمق الغبائن في النفوس وترسم ملامح الانفصال واضحة وكانت (الانتباهة) حاضرة بطبول الفراق المنشود من الرجل المغبون والكاره للجنوب دون مواربة (الطيب مصطفى) الذي مات شقيقه في الجنوب رحمه الله فسادت لغة الخصومة والمكائدات السياسية لتؤكد أن لعبة السياسة هي أقذر اللعبات على الإطلاق ولا يدفع ثمن هذه القذارة إلا الوطن وشعوبه الطيبة .!!
عندما قرأت بالأمس خبر استقالة القائد باقان أموم من وزارة السلام بعد خمسة أيام فقط من إعلان انفصال الجنوب رسميا لم اندهش كغيري! فلقد حدثني الرجل كثيرا في حواراته انه سيعتزل العمل السياسي نهائيا يوم أن يحقق للجنوب مراده وكرامته في العيش والحرية والرفاهية ؛ وأظنه يريد أن يلتفت لباقان الإنسان والأب الذي أخذته السياسة من عوالمه الأسرية، وربما كان في الأمر خبايا أخرى تتعلق بساس يسوس! المهم إن اموما تحدث كثيرا من قبل في حوارات للنشر وأخرى ليست للنشر عن إحساسه بالرهق من ركضه داخل دهاليز السياسة بكل جنونها وغموضها وخبث بعض العاملين بها!!
هذه المقالات بحلقاتها الثلاث هذه كانت من وحي عنوان أعطاني إياه القائد باقان أموم نفسه يوم أن قال لي انه سكب عصارة تجاربه في (الحرب والسلم) من خلال تلك الحوارات الكثيرة التي تحدث فيها للصحف التي عملت بها والممتدة لحلقات وحلقات في صحف (الشرق الأوسط والخرطوم وأخبار اليوم والأخبار)!!
و
فليهنأ أموم بخياره أيا كان، وليهنأ إخوتنا في الجنوب بدولتهم الوليدة رغم كل شيء !!
نادية عثمان مختار
مفاهيم – صحيفة الأخبار – 2011/7/20
[email]nadiaosman2000@hotmail.com[/email]
Exit mobile version