الطرقات تحدث عن نفسها.. عن معيبها العليل وصحيحها المعافى.. والأصل في عوالم الشوارع أن المطروح بها مفضوح وكاشف العورة، الى أن تتستر دواخله وتفرض هيبتها على المخارج.. وهمسات المشاغلة والغزل مكانها ومحل انطلاقها كنانات الذكر صوب دلع وغنج الإناث السالكات للطريق الماري بشغاف قلوب هؤلاء الهمل فاقدي السند التأديبي التأصيلي لغض البصر وحفظ الجوارح «وين يا منقة» «كدى يا تيتي».. «وما تعيرونا..» «صرف النظر عن المساكين رحمة».. وسيل من عبارات ممجوجة محلها ومركز صناعتها تلك البواطن الذكورية الخاوية.. ولا غرابة.. فالرجل معروف بحبه لشقائق الحياة، ولكن سطحية وخواء الكثير منهم تخرج العملية من جلد الوقار، وتقحمها باب التحرش والدناءة المهينة، وتمضي بنا الشوارع في تفاصيلها البائسة لتخرج لنا جيلاً من رجالات الشوارعية الذين يتوسدون أسرة الفراغ، ويملأون وثيرها من قطن وحرائر الحشو الفاضي، وشواش خشاش نبت وبذر العبثية، الى أن اعتادت الطرقات مثل هؤلاء البشر.. فأبواب الشوارع مشرعة للكل للطيب والخبيث، للعديل والمعوج والاحتضان الذي يمارس لهم يجعلهم على استدامة المواكبة لطرح العبث والخواء «يا انتي يا الشايلة القلوب شنطة» «ما جننتونا شنو يعني» «نظرة يا انتي» ..«يا لابس الوردي»… والمبالغة أن تكون ذات القوالب اللفظية محفوظة النبرات والمحتوى والنغمة فهي لها براءة الاختراع صنعت في مصانع القلوب الميتة ولا شيء الذي لا يعجب هؤلاء المعاكسين أن تصاب قريباتهم بسهم من سهام المشاغلة، التي يتقنون حرفتها ويجيدون إطلاقها ومداولتها، وما أن تتعرض إحداهن لذلك السيل السخيف إلا وينتفض أحدهم كما الأسد ناسياً تاريخ حالته المرضية وتشبعه بوهمة هذا السخف الشوارعي.. ولا يعطي نفسه شرف تدبره لماذا أباح أن يطلق عواهنه للأخريات قلة حياء وخروج عن الإطار.. بينما يستكثر على آخر أن يقوم مقامه في ذات الموقف اللارجولي… أم الهمزات وإطفاء وإضاءة السواد والبياض للعيون، يمارسه بعضهم بشيء من الفجاجة، تجعل تلك البنية المعاكسة في خانة الحيرة عندما تفر منها لا إرادياً عبارات «شوفوا العوارة دي» «دا شنو دا؟» «قرد بس».. «متخلف» ..«حيوان ضالي».. والحكمة أنهم في بعض الجوانب لا يجيدون حتى السخافة بفن، يجردونها من بعض المخارجات التي تجعل الأخرى تتجاهلهم بصمت، يا لهؤلاء الفاشلون، وعند هذا الحد لم يخرج الأمر من إطار الاعتيادية القلة أدبية.. فما زال زمام الأمر بطرف هؤلاء الأولاد، لهم في ذلك العتاب لا يتعدى حدود المجتمع الشرقي الذكوري، ولكن الفجاءة أن تستلم الأنثى ذات المهام والوظائف.. ففي بعض الشوارع استلمت بعضهن السيطرة تماماً وصار الشباب الذكور أكثر حياء، تتلون وجوههم بكل ألوان الطيف والخجل.. «يا ولد انت بس بس».. البنطلون والسيستم ما عندك لكن لابس الجينز «أحيي أنا منك كاسر فيني ضلعة»، فيتنحنح هؤلاء المساكين خجلاً، ويفرون من الشوارع كما يفر السليم من المجذوم.. والأمر عندهن مجرد قهقهات عالية وطقة لبانة والتواء، وحركات كما تتلوى الأمعاء غليظها ودقيقها لتخرج تلك النفايات البيولوجية.
آخر الكلام: لم يعد مظهرك بتلك الطريقة مقبولاً.. «تفي» اللبانة واعدلي مشيتك، وارفعي رأسك أدباً واحتراماً وبلاش منها عبارات «الولد اللذيذ دا» تحوزي على كل القلب..
[LEFT]مع محبتي للجميع..[/LEFT] [/JUSTIFY][/SIZE]سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]
