هل للإسلام مرجعية واحدة ؟‏

هل للإسلام مرجعية واحدة ؟‏
كتب الدكتور حسن حنفي هذا المقال – هل للإسلام مرجعية واحدة ؟ – مختزلاً عنصري الزمان والمكان ، وجامعاً به تعدد الآراء والمذاهب والمشارب في نسق منهجي بديع ،، رأيت أن يفيد منه كل مهتم فإلى المقال : ” إندفع فقهاء السلطة بالرد على هذا السؤال بالإيجاب حتى يكونوا هم المرجعية ، فهم فقهاء الإسلام ورجال الدين وأصحاب الفتاوى ، فمن يجرؤ على النفي أو القول بالرأي الآخر : أن للإسلام مرجعيات عديدة أكدها الشرع ورواها التاريخ ، والتعددية هي طبيعة المجتمع ، وإجتماع الناس في مكان واحد ، الناس بطبيعتهم مختلفون في المشارب والمصالح والأهداف ، وإن توحدوا في المكان .
بل إن المجتمع الواحد يتفرق في المكان بين ريف وحضر ، صحراء ووديان ، وكل مجتمع صغير يفرض رؤاه وتصوراته ومطالبه على المجتمع الكبير ، كما لم يخلق الله الناس شبهاً واحداً في الوجه فإنه لم يجعل لهم رأياً واحداً في العقل ، خلق الله البشر مُتعددين ، ولهذا التعدد والإختلاف خلقهم ، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة :[ وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَجَعَلَ الّناسَ أُمّةً وَاحِدَةْ ، وَلاَ يَزَالونْ مُخْتَلِفينْ ، إِلّا مَنْ رَحِمَ رَبّكْ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ] الإختلاف من الناس من تعدد الأفهام والثقافات والأهواء والمصالح مع أن الإسلام واحد ، والنص واحد .. التعددية رؤية للحياة ضد الإستبداد بالرأي ، كمقدمة لمنع الإستبداد بالرأي ، كمقدمة لمنع الإستبداد السياسي .
وكانت السخرية تتم دائماً ضد الفقه القديم أنه حتى في أبسط الأمور ـ فيه قولان – .. والتعددية أساس الشورى ” لا خاب من استشار ” ، ومن الذي يجرؤ على أن يوحّد بين رأيه والإسلام في ذاته أوبين فهمه للنص والنص ذاته ؟ ،، إن فعل ذلك فإنه يكون قد شبّه نفسه بالله .. بل إن جبريل نفسه قد راجع الرسول في بعض الأحيان
كما اختلف الصحابة أمامه ، وكان يقول لأبي بكر ” انزل قليلاً” ولعُمر ” اصعد قليلاً” للتقريب بين المثال والواقع ، بين النص والمصلحة .

وكثيراً ما راجع الصحابة أنفسهم ، وراجعوا بعضهم بعضاً ، اتفاقاً واختلافاً ، لدرجة الفتن والحروب والإنشقاقات التي لم تندمل حتى الآن .
فالمرجعية الواحدة في الدين تتناقض والمطالبة بالتعددية منعاً للإستبداد السياسي ، وتحقيقاً للديمقراطية في الفكر قبل أن تتحقق في المؤسسات والتنظيمات والأحزاب والجمعيات المدنية .
وقد عرف التاريخ الإسلامي منذ بدايته بتعدد المرجعيات ، وقامت دول إسلامية في المدينة ودمشق وبغداد والقاهرة واسطنبول على مرجعيات متعددة ..
نشأت فِرق كلامية عديدة ثلاث وسبعون فرقة ، كفرت السياسة اثنتين وسبعين منها إلا واحدة ، فرقة السلطة ، وتشعّبت علوم الحكمة إلى عقلية وإشراقية ، وتنوع التصوف بين خلقي ونفسي وفلسفي ، وتعددت مناهج الإستدلال في علم أصول الفقه بين الرواية والدراية ، بين الألفاظ والمقاصد ، وتشعّبت مناهج التفسير بين التفسير بالمأثور والتفسير بالمعقول ، بين التفسير بالمنقول والتفسير بالمصلحة ” لا ضرر ولا ضرار” ،، “ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ” ،.. فالصواب متعدد وتعددت المذاهب الفقهية إلى مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية ، وكله إجتهاد إنساني، ولا يوجد إجتهاد واحد إلا وأغلق باب باب الإجتهاد وهو مصدر من مصادر التشريع .
وكما تطور الوحي من مرحلة إلى أخرى طبقاً لتقدم الوعي البشري كذلك تطوّر فهم الإسلام ، طبقاً لظروف كل عصر ، فلا يوجد فهم واحد للنص خارج الزمان والمكان وخرج كل العصور ،، فالتاريخ يتغير ، والفهم يتغير كذلك ، فالنص لا يتحدث عن نفسه بل من خلال المُفسّر ، والمُفسّر كائن تاريخي ، إن كان محتلاً فإنه يبرز قيمة الأرض في [ رَبُّ السَموَاتِ وَالأرضْ ] .. وإن كان خائفاً تبرز آية [ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ] ، وإن كان فقيراً تبرز آيات وأحاديث حقوق الفقراء في ْأموال الأغنياء ،، وإن كان مُجزأً مُهدداً بالطائفية والعرقية تبرز آيات الوحدة [ إِنّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةٌ وَاحِدَة ] ،، وإن كان مُتخلفاً تبرز معانٍ جديدة للتقدم والتأخر مثل [ لِمَن شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَمَ أَوْ يَتَأَخّرْ ] ، [ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَقْدِمينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَأْخِرينْ ] ،، وإن كان سلبياً مُستكيناً مغلوباً على أمره تبرز آيات مثل [ انْفِروا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدوا بِأْموَالِكُمْ وَأَنْفُسَكُمْ فِي سَبِيلِ اللّه ] .
بل لقد اشتد الخلاف في الغرب وتحول إلى صراع وحرب وقتال مذهبي منذ نشأة المسيحية في عصر آباء الكنيسة وعصر الشهداء حتى عصر الإصلاح الديني والمذابح بين البروتستانت والكاثوليك ، وقد كان ذلك سبب نزول الإسلام ليحكم بين الناس فيما هم فيه مختلفون في العقائد المسيحية حول طبيعة المسيح رجماً بالظن .
ٌهناك عدة مرجعيات لفهم الإسلام وليس مرجعية واحدة ،، هناك العقل الذي نبّه عليه القرآن مئات المرات في آيات مثل [ أَفَلا تَعْقِلونْ ] ،، [ أَفَلا يَتَدَبّرونْ ] ،، [ صُمٌ بُكْم عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلونْ ] .. وهناك المصالح العامة والإصلاح في الأرض ، وهو الذي أصبح في المالكية مصدراً من مصادر الإجتهاد ” المصالح المُرسلة ” .
وهناك الفطرة والبداهة والطبيعة البشرية ” استفت قلبك ولو أفتوك ” ،، فليس هناك أفضل من راحة الضمير .
إذن لا توجد مرجعية واحدة للإسلام سواء من الناحية النظرية الشرعية أو من الناحية العملية ،، فليس بالإسلام كنيسة كالمسيحية ولا إمامة معصومة مثل الشيعة .
ليس بالإسلام رجال دين معينون أو منتخبون وعلى رأسهم شيخ المشايخ أو إمام الأئمة أو روح الله ، ليس بيده سلطة الحكم بالإيمان أو الكفر بالإسلام أو الخروج .
وطالما تغيّرت اتجاهات المشايخ بين المحافظة والتحرر ، النصية والعقلانية ، السلفية والتحديث ، وطالما تغير المذهب التاريخي العقائدي أو الفقهي السائد ، فقد كانت التعددية المذهبية تتصارع حتى القرن الخامس الهجري عندما حسم الأمر لصالح الأشعرية في العقيدة والشافعية في الفقه.
ومازالت الأشعرية التاريخية هي السائدة على مشايخ المؤسسة الدينية ،، نحن سبب التكفير ، تكفير المؤسستين الدينية والسياسية للمخالف في الرأي ، فيقوم المتشدد من المخالفين بتكفير مضاد ، ويدعو إلى الخروج بالعنف على النظام ، كل ذلك بسبب أُحادية الرأي وأُحادية المرجعية ، وإنكار التعددية الفكرية والسياسية ،، ندعو إلى الديمقراطية السياسية ونحرّم الخلاف في الرأي في الإجتهاد الديني .
وطالما أصدرت المؤسسة الدينية الفتاوى لصالح السلطان وبُناء على توجيهات بأن المَلِك من نسل النبي ، بعيداً عن البيعة والشورى ، وأن الإشتراكية إسلامية لمّا كان الحاكم إشتراكياً ، وأن الإسلام ليس به ما يضاد الرأسمالية ، لمّا أنقلب الحاكم الثاني على الأول ، من الإشتراكية إلى الرأسمالية ، ومن القطاع العام إلى القطاع الخاص ، ومن توجيه الدولة لوسائل الإنتاج الإقتصادي إلى الإنفتاح والإقتصاد الحر ، فالرأسمالية ليست جريمة ، ولما قرب العهدان فقد صدر التبريران من نفس الرجال ، فالوظيفة واحدة ، تبرير السلطة الدينية المزعومة للسلطة السياسية المُستبدة ” .
هكذا تُفكّر العقول النيّرة المنفتحة ،، فالإسلام مرن ولا حدود لسعته ،، فهل من مذّكر ؟ وهلاّ وثقنا فيما لدينا وتركنا الإنهزام لثقافات الغير ؟

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]

Exit mobile version