انسوا صليل العملات وتذكروا الصيت المرتقب للكشوفات التاريخية بالشمالية

[JUSTIFY]تمور الأحداث في العالم العربي في هذه الأيام، واستشرت الخلافات والصراعات والتكتلات الجديدة بين دول المنطقة العربية، ومن المؤكد أن البلاد ليست بمنأى عنها خاصة اذا ما نظرنا للأمر من زاوية العلاقة المتميزة التي تربط السودان بدولة قطر الشقيقية وهي اللاعب الرئيس في ملعب التنافس على السيطرة الذي يضم مجموعة من اللاعبين الأقوياء وأصحاب الثقل السياسي والنفوذ الإقليمي والدولي، ويبقى إسقاط الآخر وتحجيم أدواره الهدف الذي تلعب كل الدول لتحقيقه.. حسناً؛ بعيدا عن ما دار في ردهات القاعات بدولة الكويت في اجتماعات القمة العربية من محاولات لجمع صف العرب وتمتين العلائق بينهم، تبقى للبلاد علاقة مميزة مع دولة قطر تزداد متانة مع الأيام ولا تتأثر بمحاولات تعكيرها، وآخرها ما حدث قبل أيام قليلة من شائعة في الوسائط الإلكترونية مفادها أن الحكومة السودانية قامت ببيع كل تراثها الأثري لصالح دولة قطر وعقدت اتفاقيات لتنفيذ تلك الصفقة، وقد حظى الخبر بجدل ونقاش وسخط كبير من قبل الناقمين على الحكومة في وقت لم تتكرم فيه وزارة السياحة أو الجهات المعنية بتوضيح حقيقة الأمر وتركت الباب مفتوحا أمام الشائعات.

مبعث الخبر صادر من أحاديث راجت خلال الفترة الماضية حول المشروع القطري السوداني للآثار الذي تعمل تحت رايته منظمة آثار النوبة السودانية باعتباره النواة والقناة التي يتم عبرها بيع التراث النوبي إلى دولة قطر، بيد أن مانديت المشروع أو أهدافه المرسومة هي في حقيقة الأمر بعيدة كل البعد عن فرضية البيع المتداولة حاليا عبر الأسافير وتقتصر فقط على ترميم وحماية الإرث التاريخي العظيم للحضارة النوبية عبر تكفل دولة قطر بتمويل البعثات الثرية التي تعمل في المنطقة وإقامتها لمجموعة من المعسكرات والمتاحف وغيرها من الأعمال التي يمكن قراءتها في سياق الحفاظ على تراث النوبة القديم.

افتراض سوء النية وتوقع السوء في ما تقوم به قطر، وفقا للدكتور توفيق عكاشة الخبير في مجال الآثار والذي يعمل ضمن طاقم المشروع القطري لترميم آثار النوبة، مرفوض تماما ولا ينبغي أن يكون ذلك جزاء من يريد المساهمة في المحافظة وحماية واحدة من أعرق الحضارات في العالم ككل، ويقول إن كل ما تقوم به قطر لا يدخل في باب الشراء لحضارة أمة ضاربة في التأريخ ولا يمكن لأحد الاستيلاء عليها أيا كانت الوسائل.

وبحسب مراقبين فإن المشروع القطري للحفاظ على تراث النوبة يمكن قراءته في سياق بحثها عن دور ثقافي في المنطقة العربية تنفيذا للاستراتيجة التي تعمل وفقها الحكومة القطرية ببحثها المتواصل عن أدوار إقليمية ودولية لتصبح ذات تأثير قوي في المنطقة العربية لذا اتجهت في أعقاب الدعم السياسي والدور الذي لعبته في قضية دارفور وحققت عبره مكاسب سياسية وفقا لوجهة نظرهم، اتجهت للعب في مضمار الثقافة باعتباره مختلفا ويحقق لها أبعادا أخرى تطمع لتحقيقها في المنطقة وتسهم في تعميق الصلات والعلاقة بين البلدين.

* (5) سنوات تساوي (50)

دكتور صلاح محمد أحمد المنسق العام للمشروع بالسودان والخبير في الآثار يرى أن الإصغاء للاتهامات والإشاعات والرد عليها غير عملي وسيحد من التقدم في العمل في مشروع ترميم آثار النوبة الذي يعتبر من المشروعات الاستراتيجية واضحة المعالم والأهداف البعيدة عن الشبهات بواقع الأعمال التي تجري على الأرض في مناطق الحضارة النوبية.. ويقول إن قطر رفضت فكرة عرض بعض من القطع الأثرية السودانية في المتاحف بقطر، وأضاف: على من يتحدث عن بيع لتراث أجدادنا أن يثبت حقيقة ذلك الأداء ويذهب لقطر ويبحث في كل مواقعها ومتاحفها إن وجد شيئا من التراث النوبي فيها، صلاح يعتقد أن ما سيتحقق من المشروع خلال السنوات الخمس القادمة سيوازي ما تحقق منذ خمسين عاماً نظراً للإمكانيات الكبيرة المتاحة للبعثات المتعددة الجنسيات العاملة في ما يقارب 30 موقعاً حالياً وتضم بعثات من أمريكا وبولندا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا، كلها تعمل في حفريات لاكتشاف الجديد وأعمال ترميم وحماية للآثار الموجودة، وأشار إلى تخصيص قطر مبلغ 135 مليون ريال لصالح المشروع، ولفت إلى أن العمل الفعلي في المشروع بدأ في أكتوبر 2013 ومن المقرر أن ينتهي في أكتوبر 2018.

* البشريات تلوح

الأعمال التي يتم تنفيذها عبر المشروع القطري السوداني للآثار في مناطق الشمالية ونهر النيل يمكن اعتبارها مجدية وتأتي في صالح التراث الأثري بالبلاد وقد بدت بشرياتها تلوح في الأفق وظاهرة للعيان بمناطق آثار النوبة وتسترعي انتباه الكافة وتجعله حاضرا في مقام عظماء التأريخ السوداني ويجد نفسه مجبرا على الإبحار عكس واقع الحال ومجريات الأمور على الأرض والاتجاه عكس تيار الأحداث ويستسلم للغوص في أعماق التاريخ القديم بكل أجزائه ويمكنه أن يعيش تفاصيل تلك الأيام من الحضارة النوبية بمختلف حقبها وشخوصها وتذوق حلاوة البحث في الماضي والتعرف على طبيعة الأشياء حينئذ بالتنقيب في أضابير التأريخ واستكشاف الجديد بالبحث في ما تبقى من آثار تلك الحضارات، وتظل الحضارة النوبية واحدة من أعظم وأعرق الحضارات التأريخية في العالم وتشكل المناطق الأثرية المنتشرة في رمال الولاية الشمالية ونهر النيل عنصر جذب شديد القوة لكل المهتمين والباحثين في مجال الإرث والتراث من الأجانب والسودانيين، وتزخر مناطق البركل والكرو وكرمة ومروي ونوري والنقعة والبجراوية والمصورات وغيرها بالعديد من المواقع التراثية التي تحكي سيرة آلاف الأعوام لحضارات سادت لعظماء تخلدت سيرتهم وأسماؤهم في سفر التاريخ الإنساني قبل آلاف السنين ثم صارت تأريخا يحكى وينقب فيه من قبل الأجيال المتواترة التي عاشت على البسيطة.. وأصبحت محل إقبال وبحث كثيف للتعرف واستكشاف الجديد من آثار الأجداد القدماء في مختلف الجوانب الحياتية.

* هارفارد في الكرو

على بعد خمسة عشر كيلومترا تقع مقبرة الأسرة الخامسة والعشرين من ملوك الدولة المصرية الحديثة، وهي نفس المسافة الفاصلة بين منطقة الكرو وموقع جبل البركل بالشمالية، وتفصل في الوقت ذاته بين قصور ملوك النوبة ومدافنهم التي يرجع تأريخها إلى أكثر من ألفين وخمسمائة عام وتجري الآن في الكرو عمليات ترميم واستكشاف واسعة من قبل بعثة جامعة هارفارد، ويقرن عمال محليون الليل بالنهار لاستكشاف الإرث الأثري الموجود تحت أكبر الاهرام بالكرو بغية الوصول والتعرف على الملك المدفون فيه خاصة وأن الهرم يجاور مقبرة بعانخي وأبنائه شباكة وشبتكو وتهراقا وزوجته كلهاتا.

كشوفات منتظرة

البحث الجاري الآن ربما يأتي بكشف جديد يغير من خارطة الآثار بالبلاد بعد أن تكتمل الحفريات التي تجريها البعثة التي يقودها الدكتور جيرفي مواصلة لأعمال رايزر أول عالم أمريكي يحط رحاله في المنطقة قبل قرن من الزمان حيث تعرف حينها على مجموعة من المواقع الأثرية وبدأ حفرياته في عدد منها، ولكنه ترك الهرم الكبير بالكرو دون معرفة الملك الذي يرقد فيه، إلى جانب ذلك يعمل المشروع في تشييد معسكرات سياحية وحماية تلك الآثار من السرقة والنهب والعوامل الطبيعية من رياح وأمطار واستكشاف مواقع جديدة لتسجيلها ضمن منظومة الآثار السودانية.

صحيفة اليوم التالي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version