الأنباء المؤكدة القادمة من دولة الجنوب، تقول: “إن هناك مجاعة طاحنة خاصة في الشريط الذي يجاور دولة السودان”، وقال لي صديق مقيم في الرنك ذكرت اسمه هنا من قبل: “إن الناس (مافضل ليها إلا أن تأكل بعضها)”، بينما الجيش الشعبي يقتحم ويأخذ ما يحلو له من المواطنين المعدمين، فهذا الجيش مازال يتعامل بعقلية حرب “الغوريلا” هذا مع تأخر المرتبات سلفا كير من جانبه أعلن عن المجاعة في اكثر من ولاية وبشجاعة يحسد عليها النميري رحمه الله عليه (وهذه قصة أخرى).
الذين يظنون أن المجاعة في الجنوب تهدد نظام الحركة الشعبية الحاكم مخطئون، لعدة أسباب أولها أن الحكومة الجنوبية مازالت تتعامل بعقلية الثوار، وان شئت قل المتمردين، فليس لها قضية مع معاش الناس حتى بعد الاستقلال، فالتحرير قبل التعمير مازال مفعوله ساريا بدليل أنهم أغلقوا آبار النفط حتى لا يشفطه المندكورات (تاااين خرطوم) فنحن نموت من الجوع لكي تستمتع الأجيال القادمة بخيرات بلدها، ثم ثانيا وهو الأهم الدولة لا وجود لها في معظم الجنوب ومناطق المجاعة خاصة، فهناك شعب وحكومة فقط فالجوعى في ذلك الشريط المشار إليه لا ينظرون إلى جوبا ولا ينتظرون منها شيئا، بالتالي لن يهددوا حكومتها بأي تهديد، لا بل ينظرون إلى جيرانهم الشماليين فإن خيبوا رجاءهم فسوف ينظرون لهم نظرة أعداء وهذا ما يسعى إليه البعض.
بالطبع في هذا الجو المشحون بالعداء وحشد الجيوش وقطاع الشمال وتعبان دينق وحركات دارفور المسلحة والذي منه ومع استدعاء روح (شوت تو كل) أي صوب واطلق واقتل، وتصدر أخبار الجمعة للعربات المقبوض عليها وهي محملة ومتجهة نحو الجنوب، لن يجرؤ أحد على المطالبة بأن يطالب بفتح الحدود وتصدير الذرة للجنوب، ناهيك عن المطالبة بإغاثة جوعى الجنوب، ولكن دعونا نضع الأمر في إطار أوسع شوية ونسأل أليس لدينا واجبا إنسانيا تجاه جيرانا لنا واخوة في الإنسانية كانوا جزءا منا في يوم من الأيام؟ من ناحية دينية هذا الشريط عدد المسلمين في الأسرة الواحدة منه اكثر من حملة الديانات الأخرى لا بل حتى هؤلاء غير المسلمين يلبسون الجلابية والعمة والعراقي والسروال ويتسمون بأسماء الشماليين، ذكرنا الأديان لأنه غدا سيظهر لهم من الأديان الأخرى من يطعهم.
طيب خلونا نضع الإنسانية والأديان جانبا ونتكلم من ناحية اقتصادية فالسودان يعاني هذه الأيام من وفرة في الذرة وهبوط في أسعاره، ومزارعو القضارف صاحوا قائلين: (الروب) فالأسعار نزلت من أربعمائة جنيه إلى ثلاثمائة جنيه للأردب، وهذا يعني أن الحصاد قد توقف، وفتح باب التصدير لم يحل المشكلة فاريتريا سوقها محدود وتكلفة التصدير للبلاد الأخرى كبيرة، فلو مخرت الشاحنات من القضارف إلى الجنوب حيث السوق القديم (أكل وشراب)، ويضاف لذلك الآن المنظمات العالمية التي قد تشتري بالأخضر الإبراهيمي أو ما يعادله فإن المزارعين سوف يهتزون طربا ويكتمل الحصاد، وهذا كله بشرى للموسم القادم.
تاني خلونا نرخي الإنسانية والأديان والاقتصاد ونتكلم شوية سياسة فلو قالت الحكومة: “إنها بغض النظر عن اتفاقيات التعاون ومقايضة النفط بالأمن وبغض النظر عن قطاع الشمال والدوشمان الذي يدور في المنطقتين إنها على استعداد للسماح للمنظمات الطوعية السودانية بأن تغيث جوعى الجنوب ويمكن لحكومة الجنوب أو المنظمات هناك أن تتفاوض معها لكي تضمن وصول الإغاثة للجماعة المستهدفة وليس للحكومة أو الجنود المحاربين”, تخيلوا الكسب السياسي الذي يمكن أن يؤدي إلى إزالة الاحتقان القائم الآن، والذي قد يكون بداية لحلحلة حالة الحرب.. مؤكد أن هناك من يقل: (أكان دا كلامك لمو عليك).
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]
