رئيس اللجنة القومية للدستور

[SIZE=5][JUSTIFY][CENTER][B] رئيس اللجنة القومية للدستور [/B][/CENTER]

مشكلة البلاد ليست في وضع الدستور، فكل الدساتير التي حكمت البلاد، منذ لجنة استانلي بيكر ودستورها المؤقت الذي حكم السودان لأكثر من أربعة مرات، ثم دساتير السودان الدائمة (والدوام لله) بمختلف مسمياتها؛ دستور مايو 1973م، دستور التوالي 1998م، ودستور نيفاشا 2005م؛ كل هذه الدساتير نصوصها زَيَّ الوَرْد وبدون استثناء؛ كلها تحتوي على حرية التعبير وحرية التنظيم وحرية المعتقد وحقوق إنسان على قَفَا من يشيل ودولة قانون ولا أحلى ولا أجمل، ولكن العبرة في التطبيق، فالتطبيق دوماً زَيَّ الزفت ببساطة لأن تلك الدساتير تفتقر للإرادة السياسية التي تحميها من تشوهات التطبيق.
الآن ظَهَرَت دعوات لاستغلال فكرة وضع دستور جديد لبلورة حوار بين النخب السياسية، وذلك بأن تَتَكَوَّن لجنة قومية من كافة الأحزب لوضع الدستور المرتقب، وأَشَارطكم منذ الآن أنه لو قُدِّرَ لتلك اللجنة القومية أن تتكون وتجتمع وتضع مسودة دستور، فلن تضع دستوراً يختلف عن الدساتير التي مرت على البلاد، خاصةً الدستور الأخير الذي وُضِعَ بعد نيفاشا، والذي لم يَكتَف بتنظيم قسمة السلطة بل نَظَّم تقسيم الثروة، ولكن التطبيق حَرَفَه عن مجراه، فالسياسة دوماً أقوى من القانون في السودان، أي أن الوضع السياسي وتوازنات القوى هي التي تحكم وليس نصوص الدستور.
ومع كل الذي تقدَّم يمكننا القول أن هنالك فرصة لصياغة واقع جديد بانتهاز (حلوة الانتهازية دي) حكاية الدستور دي شريطة أن يفكر الناس في وضع دستور غير تقليدي؛ دستور لا يُنَظِّم حقوق المواطنة بمعناها القانوني فقط, بل دستور ذكي يقرأ الواقع قراءة جيدة ويعمل على تغييره ليلبي طموحات أهل السودان, دستور بلدوزر يكنس كل الأفكار العقيمة، دستور تكون بين نصوصه موجبات وآليات التنمية، دستور يفلفل الوضع الثقافي السوداني ويستلهمه ولو بتمييز إيجابي، دستور يُذَوِّب المسافة بين المركز والهامش.
إذا تفقنا على الذي ذُكِرَ أعلاه، يُستَحسن أن تكون اللجنة القومية المنشودة هدفها هو وضع موجهات الدستور، سَمِّها ما شئت؛ لجنة موجهات أو لجنة موجبات أو حتى لجنة ميثاق السودان، ثم بعد ذلك يعهد لأية لجنة قانونية صياغة الأفكار الواردة في شكل قواعد قانونية لتصبح دستوراً للبلاد، وهذا الاقتراح مجرد تنظيم فني يساعد على العمل والإخراج، ولكن ليس هناك ما يمنع من أن تُسَمَّى لجنة وضع الدستور وتبدأ بموجهات الدستور ثم تقوم بعملية الصياغة.
نرجع للانتهازية الحميدة، فإذا أُرِيدَ للجنة الدستور أن تكون مدخلاً للَمّ الشمل، أو حتى الحوار الوطني، لابد أن تتكون هذه اللجنة من كافة ألوان الطيف السياسي والجغرافي السوداني، ثم تصبح بعد تكوينها على مسافة واحدة من هذه المكونات، أي تصبح بنية فوقية للبنية التحتية التي كوَّنتها، ولا تتخذ قرارتها بالتصويت بل بالتراضي، كل هذا يتطلب أن يكون رئيس اللجنة بمواصفات خاصة، وهنا، ودون الدخول في تفاصيل، نقترح أن تُرَشِّح المعارضة، ممثلةً في حزب الأمة والشعبي والشيوعي والبعثي، رئيس اللجنة وتوافق عليه الحكومة ممثلةً في حزبها الحاكم. إن شخصية رئيس اللجنة هي نقطة البداية لقوميتها، أما بقية العضوية وآليات اللجنة وطريقة عملها يسهل التوافق عليه، بس كيف تَهدَى النفوس، وكيف الناس تَختّ الرحمن في قلوبها؟.
[/JUSTIFY][/SIZE]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]

Exit mobile version