النجاح بعلو الهمة وقوة العزيمة

[CENTER][SIZE=5] النجاح بعلو الهمة وقوة العزيمة [/SIZE][/CENTER] [JUSTIFY][SIZE=5] ما من شخص استخدم الكمبيوتر على مدى ربع القرن المنصرم إلا واستفاد من برمجيات مايكروسوفت التي أسسها بيل غيتس بعد أن ترك الدراسة في جامعة هارفارد العريقة، ثم جاء ستيف جوبس مسلحا بالشهادة الثانوية وقاد شركة أبل إلى نجاحات مذهلة بمخترعات أشهرها الآيبود وكمبيوترات ماك والآيباد والآيفون، وأبل apple تعني التفاحة وكما يلاحظ كل من رأى شعار الشركة فإن تفاحتها مشرومة ومقرومة، وتخيل أي نجاح كانت الشركة ستحققه لو كانت تفاحتها كاملة لم ينهش جزءا منها فاعل مستتر.. ربما اختار العبقري جوبس أن يكون شعار الشركة تفاحة جزء منها مأكول أو «منهوش»، ليوحي بأنه مهما بلغت الشركة من نجاح فسيبقى هناك شيء ما «مفقود وناقص».
والشاهد هو أن الشهادة الجامعية ليست بالضرورة باسبورت النجاح في الحياة العملية، بدليل أن هناك كثيرين من ذوي السجلات التي ستبقى في ذاكرة البشرية على مر القرون، لم يدخلوا الجامعات، ومن منا لا يذكر ونستون تشيرتشل أشهر رؤساء الحكومات في بريطانيا، والذي قاد بلاده باقتدار خلال الحرب العالمية الثانية، وكان العقل المفكر لتشكيل التحالف الذي هزم هتلر وأنقذ البشرية من رجس النازية، فرغم أنه كان سليل أسرة ارستقراطية إلا أن تشيرتشل انتقل بين أربع مدارس ثانوية على أمل أن يجد مدرسة تغرس فيه حب الدراسة والتعلم، ولما لم يجد المدرسة التي ينشدها التحق بالمدرسة العسكرية، وشارك في حروب كثيرة كمقاتل وكمراسل حربي، (غطى تشيرتشل معركة في كرري في أطراف أم درمان عندما غزا البريطانيون السودان وهزموا دولة المهدية وألف كتاب «حرب النهر The River War الذي قال فيه إنه لم يشهد قط جنودا يقاتلون بمثل البسالة التي قاتل بها السودانيون بالسلاح الابيض جيشا مزودا بالمدافع الثقيلة والبنادق الحديثة) وسيبقى تشيرتشل في ذاكرة التاريخ ليس فقط بوصفه قائدا سياسيا وعسكريا فذا بل لأنه كان أيضا كاتبا وخطيبا جهوريا، يرتجل الكلام فيهز أوتار القلوب، بل كان خصومه في البرلمان البريطاني يتعمدون التحرش به للاستمتاع بردوده اللاذعة البليغة، وبالتالي ليس مستغربا أن يكون تشيرتشل رئيس الوزراء الوحيد في تاريخ العالم الذي يفوز بجائزة نوبل في الأدب، وتشيرتشل كان يتأتئ (تمتام) يجد صعوبة في نطق الكلمات لسنوات طويلة وتغلب على تلك الإعاقة بالمران وقوة الإرادة وهو فوق الثلاثين.
وليس معنى كلامي هذا أن كل من يرفض الدراسة سينجح بالضرورة في مجال من مجالات الحياة، بل معناه أن عدم حيازة الشهادات المدرسية أو الجامعية لا تقف عائقا أمام نجاح ذوي العزم والعزيمة في اكتساب مهارات بالممارسة أو لكونهم ذوي استعداد فطري للتفوق في ميادين معينة في غياب البكلرسة والمسجترة والدكترة.. خذ مثلا ايرنست هيمنغواي أشهر روائيي القرن العشرين والحائز على جائزة نوبل للأدب، فقد درس المراحل حتى الثانوية في مسقط رأسه بولاية إلينوي الأمريكية، ولكنه دخل في كلاش / صدام مع أمه لأنه كان يفضل الموسيقى على المدرسة، وسرعان ما هجر المدرسة الثانوية ليصبح مراسلا لجريدة كنساس ستار المحلية، وما ان اشتعلت الحرب العالمية الأولى حتى عمل فيها سائق سيارة إسعاف، متنقلا عبر الجبهات الأوروبية ثم غطى الحرب الأهلية في إسبانيا كصحفي وكتب رائعته «وداعا للسلاح»، وبدون «حتى شهادة إكمال الثانوية» كتب ست روايات تعتبر من كلاسيكيات الأدب الأمريكي، وما زلت أجد متعة عجيبة في قراءة روايته «العجوز والبحر The Old Man and the Sea» المرة تلو الأخرى، متذكرا أن الشهادات لا تصنع العباقرة.. وهذا الرجل ال«بدون شهادات» تزوج على مدى 40 سنة بأربع حسناوات طلقهن على فترات متباعدة ثم طلق الحياة بأن أطلق النار على نفسه في عام 1961.
[/SIZE] [/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version