مصطفى الآغا

ثقافة الاختلاف


[JUSTIFY]
ثقافة الاختلاف

من خلال تجربتي الشخصية، يبدو لي أن معظم المشكلات والصراعات والخلافات الاجتماعية والأسرية منشؤها الخلاف على التفاصيل الصغيرة مع موجة اهتزازية من الانفعالات المصحوبة بشحنات من العناد والاستبداد بالرأي والمكابرة في الخطأ، لتكبر هذه الأمور الصغيرة لنجد أنفسنا في صراعات كبيرة قد تنتهي بالطلاق أو الفراق أو حتى ما هو أكبر من ذلك.

نعم، معظم خلافاتنا تنشأ من عدم فهمنا أو إدراكنا لطبيعة النقاش «الطبيعي»، الذي لا بد أن يكون فيه خلاف في وجهات النظر، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن نشخصنه بحيث يتحول الخلاف على- لمن أعطيت صوتك في مجلس الأمة- إلى إدخال أم الرجل أو جدته في النقاش. وأنا مضطر أن أقول، وبكل أسف، إن ثقافة الاختلاف لدى العرب شبه معدومة كنقاشنا «هل أميركا صديقة أم عدوة؟»، فإن كانت صديقتنا فلماذا لا تساعدنا في فلسطين إذاً؟ ولماذا تستخدم الفيتو لحماية إسرائيل؟ وبالمقابل، هناك من يقول إنها صديقتنا المقربة والحليفة الصدوقة! وفي النهاية «فالج لا تعالج»، فالنقاش بيزنطي كمن يتناقش مع الآخرين حول من أتى أولاً: الدجاجة أم البيضة؟!

ولكن يبدو أن هذا الجدل البيزنطي قد انتهى وحُسِم أمره نهائياً، إذ توصل العلماء إلى جواب شافٍ حول هذا الغز الذي حيّر البشرية، وكان الحل على يد علماء بريطانيين وجدوا أن الدجاجة هي التي جاءت قبل البيضة وليس العكس، كما لا يزال يعتقد كثيرون في العالم حتى الآن.

فبينما كان العرب يصطافون في شوارع لندن ويدفعون «دم قلبهم» لأغلى نزهة في تاريخ البشرية، إذ وصل إيجار شقة في شارع إيدجوير رود إلى 50 ألف جنيه استرليني في الشهر (300 الف ريال سعودي أو 30000 دينار كويتي) أو 13 ألفاً في الأسبوع فقط لكي تشم الهواء وتعمل شوبينغ في أكسفورد ستريت أو تدخن الأرجيلة على رصيف الإيدجوير أو تتمشى في الهايدبارك وتنعنش رئتيك، وهو اختصار لما يمكن للعربي أن يفعله هناك لا أكثر، والمكان الوحيد الذي لم أجد فيه عربا في لندن كان المتحف البريطاني!

المهم، انه بينما كنا نتنزه، هناك كتبت صحيفة «الديلي ميل» أن العلماء (لاحظوا كلمة العلماء التي انحرمنا منها أخيراً على المستوى العربي، اللهم إلا ما ندر) في جامعتي شيفلد وورويك، باتوا شبه متيقنين من أن الدجاجة هي التي أتت في البداية، والسبب بسيط جداً، لأن الدجاجة هي التي تضع البيض. وأوضحوا أن الأبحاث التي أجروها أظهرت أن تكوّن أو تشكّل قشر البيض يعتمد على البروتين المدعو سي 17 الموجود فقط في مبيض الدجاجة، ولهذا توصلوا إلى أن البيضة لا يمكن أن توجد إلا إذا كانت داخل بطن الدجاجة، ما يعني أن الدجاجة هي التي أتت قبل البيضة، وفق ما صرح الدكتور كولن فريمان من قسم هندسة المواد في جامعة شيفلد.

هم يبحثون ويخترعون ويبحبشون، ونحن نبحث ونخترع ونبحبش عن المشكلات، حتى لو تحت أظفارنا، ونتغنى بماض تليد مجيد لم يبق منه إلا بعض الذكريات التي نختلف عليها ونختلف: من بدأ المشكلة أولاً، ومن تسبب فيها، ومن حفر حفرة لأخيه فوقع فيها، لتنتشر موجة الحفر بين الإخوان، والآخرون يتفرجون علينا سعداء لأننا نحفر نهاية مصيرنا بأيدينا.
[/JUSTIFY] [email]Agha2022@hotmail.com[/email]