عثمان ميرغني

ليتك زرتنا زمان!!


الأستاذ محمد محمد خير الصحفي المعروف.. شاءت ظروفه (السياسية) أن يكابد المنفى الاختياري في كندا منذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي.. بعد وصول الإنقاذ إلى سدّة الحكم.. وهناك في المنفى رزقه الله بإبن ظل هو الآخر منفياً عن وطنه ولم ير السودان..

الإبن الزبير محمد محمد خير عند وصوله إلى الخرطوم قبل أيام قلائل.. رآها بأعين الجينيات السودانية المطمورة في وجدانه.. فأعجبه وطنه السودان.. ووصفه بأنّه بلد جميل لكنه (غير نظيف!!).. والعبارة من عندي لتجنب استخدام الكلمة المباشرة.

وطبعاً ليس من أحد في بلاد (الحزن النبيل) هذه.. يغالط في الحكم التقريري الذي أصدره ابن صديقنا م م خير.. لكن يبقى السؤال.. أيهما الـ(غير نظيف) بلدنا.. أم نحن ؟؟

الحقيقة التي قد لا يعلمها الكثير من جيل الشاب (الزبير م م خير).. أن بلادنا (كانت!!) في يوم من الأيام نظيفة (تلمع).. شوارعها وحدائقها وحتى (قلبها!) كان نظيفاً..

لكن الزمن تغير.. في كل بلاد الله إلى الأحسن.. إلاّ في سوداننا (المكتول كمد) تدحرجت صخرة (سيزيف) للمرة الألف من قمة الجبل إلى سفحه..

الآن..يا إبني الزبير خذ مثلاً.. تبشرنا الحكومة بأنها ستشتري لنا (الترام).. وهو الذي كان في بلدنا حينما كانت بلاد الله الأخرى لا تعرف ما الترام.. وستشتري لنا القطار.. وهو الذي كان وسيلة سفرنا الأولى والمفضلة.. وربما تفكر وزارة السياحة في بواخر نيلية في البلد الذي لا يزال يذكر حادثة الباخرة (ملكة) التي غرقت في رحلتها النيلية المعتادة بين الخرطوم وشلال السبلوقة.. حينما كان (ناس الخرطوم) يقضون عطلاتهم في شلال السبلوقة!!

نحن نسبح عكس الزمان..!!

هل تصدق – يا إبني الزبير- أن مستشفى الخرطوم بحري –زمان- أعلن حالة الطوارئ.. وزارنا مديرها العام في (مدرسة الكدرو المتوسطة) ليلقي علينا محاضرة جمعوا له فيها كل تلاميذ المدرسة.. لأن (أحد!!) الطلاب أصيب بالتايفويد!!

نستطيع أن نصنع بلداً نظيفاً لشعب نظيف.. دون الحاجة لـ(مشروع مارشال) تنموي.. فقط مطلوب (فكرة نظيفة).. فكرة سهلة للغاية تجعل النظافة (سلوكاً) شعبياً وليس خدمة رسمية!! مطلوب (شخصنة) النظافة.

أطلقوا حملة لـ(شخصنة) النظافة.. في الصحف ووسائط الإعلام ومنابر المساجد والكنائس والمدارس والجامعات.. ووسائط الإتصال الاجتماعي الأثيري.. مثل حملات شركات الإتصالات..

حملة تؤسس لأدب العيب الشخصي.. عيب أن ترمي ورقة في الشارع.. عيب أن تبصق في الشارع (لم أقل في البلاط)..

قائمة العيب طويلة!! لا أريد أن أكملها قبل أن أزيل (نفايات) مقابلة لبيتي من الناحية الغربية.. حتى لا يقال (… عارٌ عليكَ إذا فعلت عظيمُ)