أبشر الماحي الصائم

سوداتل نموذجا


قيل إن الشاعر الراحل نزار قباني لما زار الخرطوم ذات موسم ثقافي باهر قال قولته الأثيرة.. قال “في كل العواصم العربية أحس بأنني شاعر إلا في الخرطوم، فأشعر كما لو أنني قديس”.. تجتاحني حالة نزار هذه كلما دلفت إلى شركة وطنية مؤثرة.. والشيء بالشيء يذكر.. تبدو لي كل الشركات بطبيعة الحال ذات مسوغات مادية، وهي تنهض على معطيات دراسة جدوى حسابية محضة.. تأخذ في حسبانها مقومات الربح والخسارة … غير أن سوداتل.. على سبيل مثال الشركات الوطنية.. قد نهضت من أول يوم على فكرة وهدف.. على أن بلادنا لا يمكن لها أن تنهض بمعزل عن بنية اتصالات قوية.. فلئن سجلت بعد ذلك تراجعات مالية فليكن العزاء أن الوطن يربح.. كان ذلك على عهد زراعة الأرض بالألياف الضوئية وزراعة الوطن بالأمل والأشواق والتطلع.. فقيم الوفاء تفترض علينا الاعتراف بفضيلة أن كل الخدمات والمشروعات المفتاحية الوطنية ما كان لها أن تتم لولا أن وجدت أمامها بنية اتصالات واسعة الفعالية والانتشار.. ففي البدء كانت الاتصالات.. وبتصاعد وترقية وتيرة الخدمات.. لم يبالغ الذين صعدوا فيما بعد باتصالات السودان إلى ما فوق مصاف الإمبراطورية الأمريكية.. بالطبع مع المفارقة الاقتصادية الباهظة.. كان ذلك ذات لحظة صدق عالية الشفافية.. فهذا ما نجحت فيه سوداتل التي تحتاج إلى تثبيت هذا السبق الوطني الرائد.. في بلد وشعب غير متهمين في قيم الوفاء والولاء و(سودنة) الموقف والانفعالات والاتصالات ..

* قد يقول قائل كل هذا مثبت ومعروف ما الجديد في الأمر، غير أني أبذل هذه الأسطر بمناسبة عدم تحويل الأرباح لملاك بعض الشركات بالخارج مما أثقل كاهل اقتصادنا الوطني.. وهو أن سوداتل (شركة وطنية) تستمد وطنيتها وأسهمها من أثرياء أبناء بلدي وعامتهم، كما أن لها شركات بالخارج تدخل العملات الصعبة. وأني أكتب هذا المقال في مواسم تقريش الأرباح وتمايز المواقف.. عندما تضطر شركات اتصالات أخرى غير وطنية أن تكبد الاقتصاد الوطني خسارتين اثنتين فادحتين.. مرة عندما تستنزف عملاته الصعبة على شحها وتحولها إلى ملاكها بالخارج.. ومرة لما تنزل إلى السوق (الأسود) لتشتري أرباح الأجانب بالدولار، وهذا ما يعقد معاش الناس و.. و..

* رأيت أن أقول إننا نحتاج أن نحمي شركاتنا الوطنية لنربح مرتين في المقابل.. مرة عندما يذهب ريعها مباشرة للمواطن داخل الوطن.. ومرة عندما لا نضطر إلى أن نقرش أرباح المساهمين بالدولار والعملات الصعبة ونحولها للخارج، فنساهم في إرهاق خزينتنا العامة المرهقة أصلا.. ولا ذنب لي إن كانت سوداتل نموذجاً وطنياً باهراً ومشرفاً.. فعلى الأقل لو اتهم قلمي من قبل بعض الذين تسيطر عليهم الهواجس والظنون.. فلا ضير أن أكون (عميلاً وطنياً).. غير أن ثمة علامة تجارية فارقة تتضح خطوطها وخطورتها في مواسم تقريش المواقف والأرباح.. ذلك لدرجة الرحيل مع قوافل هاشم صديق في مواسم الترحال:

أذن الأذان

وحانصليك يا صبح الخلاص حاضر

ونفتح دفتر الأحزان من الأول إلى الآخر

ونتساءل منو الكاتل منو المكتول

منو الربحان منو الخاسر

أبشر الماحي الصائم