عثمان ميرغني

موسم حفلات (التهريج)..!!


أتحدّاك.. أيها القارئ الكريم.. رغم أن لغة التحدي فيها بعض العنف اللفظي، لكنها هنا من باب الضرورة..
أتحدّاك حاول نصب سرادق (صيوان) أمام منزلك لأية مناسبة، حتى ولو كانت حولية العارف بالله .. دون أن تنال تصديقاً من السلطات المختصة..
ولماذا (صيوان).. دعني أنزل تحت قليلاً.. أتحداك أن تقيم حفلاً مصدقاً من المحلية وعليه الختم والتوقيع.. ثم تتجاوز الساعة الحادية عشرة ولو بدقيقة.. وحتى لو سوَّلت لك نفسك، فإن الفنان/ـة لن يفعل.. لن يخاطر بتجاوز الزمن الرسمي المحدد للحفلة..
كل هذه (الأفعال) تضعك في مواجهة فورية مباشرة مع القانون وقد تذهب بك– غير مأسوف عليك- إلى غياهب الزنزانة في أقرب قسم شرطة..
ولكن “الأرهب” من كل ذلك أن تقيم ندوة أو ليلة سياسية.. حتى ولو في عقر دارك وداخل غرفة نومك.. هي أيضاً مستحيلة.. القانون واضح وناجز.. ولا مجاملة..
الآن انظر في اتجاه معاكس.. أصدرت السلطات أمراً بمنع الاحتفال بتخريج الطلاب، بعد أن تحوّلت هذه الحفلات إلى (تهريج) بدلاً من (تخريج).. ومع ذلك ازدادت جذوة حفلات التخريج رغم أنف (المنع) الرسمي والقانوني.. بل وسطعت في سماء السودان حفلات (تهريج) أخرى يبدأ موسمها السنوي هذه الأيام..
موسم آخر بدعة.. ليس له مثيل إلا في هذا البلد الممحون.. موسم تخريج رياض الأطفال.. الأسر الفقيرة التي بالكاد استطاعت تدبير رسوم الروضة تستعد لدفع أضعاف هذه الرسوم من أجل ساعتين من الهرج والمرج السطحي.
طفل أمضى في الروضة عامين من اللعب المستمر، يتمتع بحفل في قاعة أفراح أو أية قاعة أفخم إن استطاعوا إليها سبيلاً.. رسوم هذه الحفلات أحياناً تفوق رسوم الدراسة نفسها.. على الأسرة محدودة الدخل أن تقتطعها من لحمها.. ليس من أجل طفلها بل من أجل الدعاية التجارية الرخيصة للروضة التي تعلم أن هذه الحفلات ليست إلا موسم ترويج تجاري لجذب الزبائن للعام الدراسي التالي..
حسناً.. الدولة التي تمنع الحفلات إذا لم يتوفر لها تصديق رسمي.. وتمنع بكل قوة خرق الفترة الزمنية المحددة بالساعة الحادية عشرة.. كيف تفشل في منع مثل هذه المظاهر الخطيرة؟.. فهي ليست مجرد حفلات (تهريج).. هي سلاح تدمير شامل لأهم مطلوبات بناء الشخصية السَويّة.. مِعْول يهدم أسس التربية السليمة..
في تقديري الأمر أكثر من سهل.. ينبغي على الدولة إصدار تحذير إلى كل رياض الأطفال أن تكتفي بالاحتفال بأطفالها في حدود أسوار الروضة فقط.. ولا حتى نادي الحي.. ودون أية رسوم إضافية على الأسر.. وفي حال مخالفة ذلك.. يسحب تصديق الروضة فوراً..
الأمر- نفسه- ينطبق على حفلات (تهريج) طلاب الكليات.. تسحب السلطات رخصة أية قاعة أو نادٍ يسمح بهذه الحفلات.. ويسمح بها فقط داخل أسوار الجامعة وتحت إشرافها التربوي..
يظل السؤال.. كيف تنفِّذ الدولة القانون بكل حزم على الحفلات العامة والندوات.. وتفشل في منع حفلات (التهريج) ..