تحقيقات وتقارير

بالعودة إلى مسقط رأسه .. السيسي وخطوات نحو البرلمان


الرحلة في أدغال وأحراش دارفور صعبة التفاصيل وليست مبرئة من المخاطر .. فضاء واسع ومساحات شاسعة وبينها غابات وخيران تنخفض العربة وتعلو كالموج هي تشق طرقات وعرة تباعد المسافات. الطريق البري من نيالا إلى محلية كاس، ومدينة زالنجي حاضرة وسط دارفور، ومنها إلى إداريات ومحليات الولاية التي تبعد مسافات قريبة من أفريقيا الوسطى كمحلية أم دخن وبندسي.

خطوط التقاليد الحمراء

بدأت الحملة الانتخابية لدكتور التجاني سيسي رئيس حزب التحرير والعدالة القومي بدارفور من مدينة نيالا ومنها إلى محلية كأس التي يمدحها أهلها (كاس بلد الحراز فوق ناس وتحت قزاز) طريق المسفلت المتفتق المنتظر من يرتق فجواتها.. سنوات طوال وحقب مختلفة مرت على هذا الطريق الذي ظل علامة بارزة في حقبة إبراهيم دريج حاكم إقليم دارفور الأسبق وكانت لعلاقاته مع أصهاره الألمان دورها في ربط نيالا كأس زالنجي حينما كانت دارفور إقليماً يتمتع بوحدته الإدارية.. منطقة كأس التي تبعد حوالي ١٠٠ كيلو من مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور .. تشكل قبيلة الفور رقماً قياساً في تعدادها السكاني فكان استقبال السيسي القومي ومرشح دائرة كأس أحمد فضل عن حزب التحرير والعدالة القومي ، كان مكتنزاً بكل تفاصيل التقاليد الموروثة في استقبال زعماء الفور .. إذا بنساء المنطقة يخرجن بأثوابهن الجميلة مساندات للسيسي ويقرعن طبل النقارة ويتغنين بلغة الفور مدحاً للسيسي الذي لن يدخل المنطقة قبل أن يبادلهن الفرح، ويدفع لهن جزءا من المال مهراًً لزيارته .. الحرس الخاص للسيسي لا يدرك ماهية هذه العادات فيحاول فك هذا الحاجز بالقوة إلا أن إشارات يطلقها سيسي تعبر عن أن هناك خطوط حمراء لا تتجاوزها المراسم الرئاسية فيلتقط الحرس الرسالة .. ويترك العنان لهذه العادات والتقاليد المورثة لتنطلق في موكب احتفالي رائع نساء لبسن أجمل الأزياء وتزين لاستقبال الدمنقاوي الدكتور التجاني السيسي

الدمنقاوية طاقية ثالثة

. والدمنقاوية طاقية ثالثة وضعت على رأس السيسي بعد رحيل أخوه الأكبر الدمنقاوي فضل سيسي قبل أكثر من ثلاثة أشهر .أي رئيس للسطة الاقليمية ورئيساً لحزب التحرير والعادلة القومي ودمنقاوي لقبيلة الفور هذا الموقع الذي يتنزل على المثقفين من ابناء دارفور بالوراثة وهذا جزءًا من العلاقة بين المثقفين والإدارة الأهلية منذ الستينيات حينما اختطفت الإدارية الأهلية المثقفين وطوقتهم باستمرارية البقاء التماهي مع الحداثة.. إذاً الولاء للسيسي تتلاقى فيه الألوان السياسي والأهلي والقبلي ..الفرح الذي يشع من مستقبلي السيسي من الأهالي يخفي خلفه حزن عميق على أرواح راحت ضحايا الإقليم المنكوب، ويخفي الرقص خلفه معاناة حياة يومية بدءًا من البحث عن الماء أساس الحياة وتفاصيل الحياة المعيشية الصعبة انتهاء بهموم الأمن .. هذا لسان حال ملامح منطقة كأس والبؤس الذي يحلق حولها وحده يكفي لأن تقرأ مطالب المواطنين الذين اصطفوا لساعات طوال في شمس محرقة ليضعوا مطالبهم بين يدي حاكم إقليم دارفور الأسبق التجاني السيسي الذي يجتر ذكرياته في مناطق قضى فيها جزءاً من طفولته وبها وترعرع ، زيارته لمنطقة كأس لم تكن الأولى من نوعها بعد أن غادرها و هو حاكمًا لإقليم دارفور عقب انقلاب يونيو ١٩٨٩ وعاد إليها بعد ٢٣ عاماً هو رئيساً للسلطة الإقليمية أي وطأت أقدامه كأس قبل عامين مستطلعاً أوضاعها التي ظلت على ماهي عليه بل ازدادت معاناة بالحروب .. زارها الآن دعمًا لمرشحه أحمد فضل وعبوراً منها إلى دائرته الانتخابية (٩) مكجر وام الدخن.

الأمن الغائب

قضية الأمن الغائب تعكر صفو الحياة الاجتماعية بمنطقة كأس إذ إن حياتهم مهددة بالتفلتات الأمنية من قبل الذين اتخذوا من الأوضاع الأمنية في دارفور مدخلاً للفوضى وعبثية السلاح بغية النهب والسلب لذا كانت قضية الأمن في مقدمة مطالب أهل كأس .. الشاهد أن قصص التفلتات الأمنية أصبحت عنوان الأزمة في دارفور بعد انخفاض النشاط العسكري لحركات دارفور في كثير من مناطق الإقليم .. وروايات المواطنين بشأن انفراط عقد الأمن كتبت سيناريوهات تبدو وكأنها سيناريوهات لأفلام (الاكشن) ما بين ليلة وضحاها يتيتم أطفال ، وترمل نساء وتثكل أمهات بطلقات خرجت من كلاشات نفر تجمع كل الشر في نفوسهم استعداداً لممارسة أبشع أنواع القهر على قوم عزل فيترصدون الطرقات لإيقاع المدنيين في مصيدة الشر الشيطاني .. الأيتام يفقدون الأبوية لا لشيء سوى أن قدرهم من إقليم دارفور وعليهم أن يدفعوا فاتورة هذا الانتماء بدون أن تقف أمهاتهم على أبواب مؤسسات الدولة انتظاراً لديات أو أموال ترعى هؤلاء الأيتام لأن الجناة مجهولون كما تدون يوميات الشرطة.

التيار