مكي المغربي

ولماذا “الوصاية” على جنوب السودان؟!


أتوقع أن يتم رفض الوصاية – حسب مقترح أبوسانجو – من طرف حكومة الجنوب ومن طرف معسكر رياك مشار في آن واحد، وأتوقع ألا تجد ترحيباً من النخب الجنوبية، ومن الواضح أن هذه “الوصاية” فيها تجاوز لبعض الحلول الأخرى … تجاوزًا يوحي بأنها “مقصودة لذاتها” وليس لأن الظروف جعلتها ضرورة.

لم يكلفوا أنفسهم بالحديث عن مساعدة شعب جنوب السودان بوحدات إدارية تقدم الخدمات التعليمية والعلاجية في المناطق التي هي خارج سيطرة الفريقين أو التي تعجز الحكومة عن وصولها بسبب الحرب والكوارث الطبيعية السابقة أو المقيمة … على سبيل المثال كان يمكن الحديث إنشاء “ملاذات آمنة إفريقية” ( مثلما أنشأت الأمم المتحدة هذه الملاذات في البلقان) تديرها لجنة إفريقية … وتحميها قوات إفريقية .. هذا مع الإبقاء على شرعية الحكومة في جوبا وشرعية المعسكر الآخرعبر حل تفاوضي.

مساعدة شعب جنوب السودان بل والإدارة المحدودة والمؤقتة لبعض المناطق لا تستلزم “كشط” الدولة وإعلان فشلها … وحتى لو كانت فاشلة … “ما هي فائدة إعلان الفشل؟!” ودونكم نموذج الصومال الذي وصل إلى وضع أسوأ من جنوب السودان … تم الاعتراف بالحكومة والدولة مع أن البرلمان نفسه انعقد مرة في جيبوتي ومرة في نيروبي … (وجوبا الآن قادرة على عقد برلمان انتقالي مؤقت إذا نجحت المفاوضات) … دولة الصومال تمت مساعدتها أمنياً وسياسياً … وهي الآن تتعافى … ولا تنتظر إلا إعادة بناء الجيش الصومالي وهو أمر ليس صعباً ولكن هنالك قوى غربية ترفضه وتمارس ضغوطًا ضده.

أنا متفهم أن لجنة أبوسانجو دوافعها غير استعمارية ولكنني أعتقد أن تقريرها يصب في مصلحة الاستعمار الحديث ولذلك أرفض مقترح الوصاية حتى وإن كنت من المؤيدين لتوجهات الاتحاد الإفريقي في الجملة.

لم أجلس مع أبوسانجو ولا أحد أعضاء اللجنة الموقرين ولم أجلس مع قدامى الموظفين في الاتحاد الإفريقي والإيقاد الذين يعرفون بواطن الأمور ولكنني أتوقع – لو التقيتهم – أن تكون حجتهم كالآتي:

• جنوب السودان يخطو نحو هاوية عميقة وبعض دول الجوار وتحديدًا يوغندا لديها مشاريع توسعية فيه وهذا الأمر سيقود المنطقة كلها إلى حرب إقليمية عندما يصبح جنوب السودان “ميدان معركة” وتنقسم دول الجوار، بينما يعتبر البعض “موسيفيني” خليفة القذافي في إفريقيا في هوس التدخل في شؤون الدول.

• أمريكا لديها “ظاهر وباطن” في الموضوع فهي تظهر أنها ضد حكومة الجنوب بينما تدعم موسيفيني وتدعي أن تصرفاته لا تعني الرضا الأمريكي عنه …. كما تقول بعض التسريبات أنها مع “رياك مشار” وأخرى أنها مجموعة السودان الجديد، كما توجد كتابات “مبكرة” أنها ترغب في وضع جنوب السودان تحت الوصاية الأمريكية فقد ظهرت هذه الكتابات بعد ثلاثة أسابيع من الأزمة ولم تكن قد أخذت طابع الحرب الأهلية بعد … كل هذا يؤكد أنها تريد أن تدعم جميع الأطراف للاستمرار في الحرب ثم تأتي على ظهر جواد الوصاية لتدشن الاستعمار الحديث الحقيقي … وهو الهدف الأساسي لمشروع “الفوضى الخلاقة”.

• في هذا السياق يستحسن قطع الطريق على الوصاية الاستعمارية بوصاية إفريقية مؤقتة أو بوضع مقترح الوصاية على طاولة الاتحاد الإفريقي ليتم نقاشها إفريقياً وإذا ما رغبت الدول الكبرى بالمساعدة فعليها القدوم إلى القارة السمراء لا أن تطبخ شيئاً هنالك في نيويورك. ونلاحظ أن تقرير أبوسانجو فيه تقريع للقوى الكبرى … في رعايتها لاتفاقية نيفاشا ودفعها جنوب السودان للانفصال، ومنح الحركة الشعبية تفويضاً لحكم الجنوب في الفترة الانتقالية … وهذه النقطة تشير إلى أن هذه الدول أصرت على منح الحركة الشعبية هذا التفويض مقابل أن يتم الانفصال.

هذه النقاط غير مقنعة وأتمنى تنشيط حلول وسطى واقعية … مثل الملاذات الآمنة أو الإدارة الإفريقية الموقتة لبعض نقاط تجميع المدنيين.