الصادق الرزيقي

كلام الله والرمز الانتخابي


> لتجدُنا، أكثر اتفاقاً مع الدكتور عصام أحمد البشير رئيس مَجْمع الفقه الإسلامي الذي نبَّه من خلال خطبته من على منبر الصلاة يوم الجمعة أول من أمس، إلى خطل وسوء استخدام آيات القرآن الكريم وإقحامها في تبرير وتفسير الرموز الانتخابية للمرشحين، حيث يقوم بعض أهل السياسة بتأويل سور وآيات من الذكر الحكيم وكلام الله في تكسُّبهم السياسي، ومحاولة إصباغ قُدسية على حملاتهم الانتخابية. والرموز التي ما وُضعت، إلا للتصنيف ولتعريف وتسهيل اختيار المرشح لدى الناخب..فآيات القرآن الكريم يجب أن تُجل وتُقدَّر وتُحترم، لأنها كلام الله. ووردت في سياقات مختلفة وبدلالات معلومة ليست للاستخدام المُرتخص في كل شأن من شؤون الحياة، بغرض تحويرها وتدوير معانيها إلى عرض الدنيا الزائل..
> ومن ما قاله الدكتور عصام ولم تنقله الصحف بدقَّة أمس السبت، وجاء الخبر مبتوراً غير مُبين، لمِا ورد في الخطبة، مثل قول بعض المرشحين إن الشجرة شعار المؤتمر الوطني هي «كشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ»، بينما يرد خصومهم عليهم أنها (شَجَرَةَ الزَّقُومُ) أو«كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ». وذكر الدكتور عصام أمثلة عديدة في هذا الجانب، وفي الحياة السياسية ومواسم الانتخابات نماذجَ وصوراً من هذا النوع، كأن يقول مرشح متحذلقاً ورمزه العصا إن عصاي هي (عَصَا مُوسَى)، أو يصيح آخر ورمزه الفانوس مخاطباً الجماهير «المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِيٍ»، ويتقَّعر مرشح من على منبر حملته السياسية ورمزه البعير ليقول للناس «أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ». ثم يردف ممعناً في الـتأويل «نَاقَةَ اللَّهَ وَسُقْيَاهَا» وأن رمزي هو (نَاقَة صَالِح) .. وهو يعلم أنها لا تفيده سواء أكانت ناقة صالح أو من النوق العصافير من نياق خُزاعة كما قالتِ العرب..
> ومن الطريف أن خطيب المنبر المحذِّر من هذه الممارسات التي لا تُبجِّل القرآن الكريم وتحترم قُدسيته، أشار من يسوقهم الجهل أو التأويل الخاطئ أو الخداع والطمع إلى توظيف الآيات والصور في أغراض التجارة، كما هي في السياسة، وأورد من طريف الأمثلة ومُحزنها أن ترزياً مغموراً أراد لحرفته الاشتهار ولصنعته الإبهار، كتب في لافتة داخل محله الصغير لإغراء الزبائن ودغدغة مشاعرهم وللتدليل على مهارته وجودة حياكته الآية الكريمة «وَكَلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً». ولم يدرِ المسكين أن المولى عزَّ وجلَّ هو القائل عن نفسه هذه القدرة!.
> وأن حلاَّقاً أعجبته مهنته وتفنُّنه في حلاقة شعر رواد محله، أعد لافتة مُزيِّنة أعلى باب المحل وكتب عليها بجانب رسم لمقص الحلاقة (نَحْنُ نَقُصُّ ..) في إشارة للآية الكريمة في سورة (يوسف) الآية «3»«نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ»، ولم يفرِّق بين قص الشعر، ورواية القصص وقصها، كما تفيد الآية الكريمة. ومن يقُص أحسن القصص هو الله عزَّ وجلَّ وعلا..
> وتذكرتُ أنه في موسم الانتخابات عقب الانتفاضة في أبريل 1985م أُقيمتْ ندوة شهيرة في ميدان الصحة بمدينة نيالا، وكنا أغرار فتنتنا السياسة، جئنا لحضور أول ندوة لحزب الأمة، فوقف متحدث شديد الاعتداد بحزبه، وذكر الآية الكريمة بصوت جهور «إِنَّ هَذِهِ أُمَتَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً». وقال للحضور هذا حزب الأمَّة ..! ثم ذكر الآية ( «وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» وصاح في الحضور هذا يقصد منه كونوا مع السيد الصادق المهدي..
> ومن الطرائف في محاولة ابتسار معاني القرآن الكريم وتوجيهها للغرض والهدف الذاتي المطلوب، تلك الطُرفة الشائعة من زمن، إن طلبة في معهد ديني في إحدى مدن السودان، تشاركوا بمالهم لشراء دجاجة من مطعم يجيد طبخها لعشائهم، فلما أحضروها قال قائل منهم: (لماذا لا يأتي كلٌ منا بآية من القرآن تنطبق على جزء من الدجاجة فيأخذه. وهكذا نفعل لنتقاسمها».. فقال الأول بفرح غامر، قال تعالى في سورة البلد ( «فَكُّ رَقَبَة» فأُعطي رقبة الدجاجة، وقال الثاني قال تعالى في سورة (القيامة) «وَلْتَفَتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ» فأُعطي ساقي الدجاجة. وقال الثالث يقول تعالى في سورة (الإنشراح( «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَّكَ» فأعطوه صدر الدجاجة، أما الرابع فلم يتمكن من ذكر آية محدَّدة فتعشى زملاءه وناموا تاركين بقية الداجة، فقام الرابع ليلاً فالتهم كل ما تبقى، وعند الصباح اكتشفوا أمره وقالوا له بغضب أنت لم تأتِ بآية فكيف تلتهم الباقي، فردَّ عليهم ضاحكاً عندي الآية في سورة (ن والقلم ( «فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِن رَّبِكَ وَهُمْ نَائِمُون» ..!!


تعليق واحد

  1. و الحقيقة ان من ادخل التدليس و الباس السياسة ثوب الدين هم جماعة الاسلامويين الحاكمين … فاساؤوا للدين و لم يحسنوا السياسة