الصادق الرزيقي

روح جــــديـــدة


> صورة الانتخابات في الولايات وانفعال الجماهير بها تختلف عما هي عليه في الخرطوم، وما نظنه نحن هنا من عدم سخونة الطقس السياسي العام، ليس بالدرجة الكافية والدقة المتناهية، حيث يكذب الواقع في عدد من الدوائر الانتخابية في مدن السودان المختلفة هذا الظن، وتوجد منافسة حقيقية في كثير من الدوائر التي بدأت تملأ الدنيا وتشغل الناس مثل دائرة دنقلا أكبر دائرة في الولاية الشمالية وتضم عاصمة الولاية وريفها الشمالي وشرق النيل، التي ترشح فيها بلال عثمان ضد أبو القاسم محمد أحمد برطم، ودائرة أبو حمد التي يترشح فيها محمد أحمد سليمان البرجوب وينافسه المرشح المستقل مبارك عباس الذي خرج من صفوف المؤتمر الوطني.. ومثل هاتين الدائرتين توجد دوائر أخرى، وتزداد المنافسة حدة في ولايات السودان المختلفة.
> وهذا الصراع الذي يدور صراع حقيقي وتنافس شرس بين المرشحين، أعطى الانتخابات زخمها المطلوب، لكن ستكون له ظلاله وآثاره وربما مضاعفاته على المجتمع المحلي، في حال ارتفاع وتيرة التعصب المناطقي والقبلي أو عدم حدوث تغيير حقيقي وإصلاح داخل المؤسسات الحزبية خاصة المؤتمر الوطني والأحزاب الأخرى المشاركة في الانتخابات، ويبدو أن رغبة الجماهير في الواقع وعلى الأرض بدأت تظهر بخلاف التقديرات والتقييم الموجود هنا في الخرطوم لدى القيادات الحزبية ومنها الحزب الحاكم.
> أما الأنموذج الآخر الذي يدل دلالة كبيرة على أن الانتخابات في الولايات لها طعم مختلف، هو ما شهدناه في الدائرة «5» بمحلية مروي بالولاية الشمالية عندما ذهبنا لحضور تدشين الحملة الانتخابية لمرشح الدائرة الفريق صلاح قوش المدير العام السابق لجهاز الأمن والمخابرات الوطني ونائب الدائرة الحالي، فالصورة هنا تتباين مع الدوائر الانتخابية الصراعية، فمنذ دخول موكب المرشح حدود المحلية في أم جواسير لم تنقطع مواكب المؤيدين في القرى والفرقان والأباطح من تمتام وأم الحسن الملتقى، ثم بدأت مجموعات هائلة من أهالي المنطقة على طول الطريق تتدافع بشكل عفوي ومذهل في كورتي وأوسلي والقرير ومساوي وتنقاسي ومروي، وكل مكان مر به الموكب في رحلة الثماني ساعات من الخرطوم، يشير بوضوح إلى أنه لا توجد منافسة حقيقية لمرشح المؤتمر الوطني، وهي من أكثر الدوائر التي تعتبر مضمونة بعد دائرة وزير المالية السابق علي محمود التي فاز فيها بالتزكية، فمن يقدم لأهالي المنطقة وناخبيه الخدمات المطلوبة ويجتهد في قضاياهم ويتحسس همومهم ونبضهم، هو الذي تختاره الجماهير طواعيةً وتعطيه ثقتها وتخرج في استقباله وإعلان مساندتها له.
> وما رأيناه في دائرة مروي شيء مذهل وعجيب، طال بنا العهد من رؤيته منذ انتخابات 1986م، فالليلة السياسية الضخمة التي أقيمت في مروي، شهدتها بعضة آلاف من الجماهير المتعطشة للسياسة، تقاطروا من كل مكان وتجمعوا ليستمعوا إلى حديث سياسي تقاسمته قيادات شتى جاءت مؤازرة للمرشح من جنوب كردفان ودارفور وجنوب النيل الأزرق «كاشا وكرمنو وخميس كجة»، بالإضافة لأبناء المنطقة د. عوض الجاز ود. حسن أحمد طه الخبير الاقتصادي الدولي، واشتعل المنبر بقصائد الشعر الملتهبة التي تفاعلت معها الجماهير، فضلاً عن غناء فنان الطمبور محمد النصري في نهاية الندوة.
> وللحقيقة قدم صلاح قوش مرشح الحزب الحاكم في الندوة، خطاباً سياسياً عميق التحليل للأوضاع الداخلية وما يجري في الإقليم حول السودان، وفصل في البرنامج الانتخابي الذي طرحه رئيس الجمهورية ورؤية المؤتمر الوطني لقضايا السودان، وربط كل ذلك بتصورات كلية لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، ثم عرج على المسائل المحلية للمنطقة ودائرته الانتخابية، وطرح شعاراً ليت كل المرشحين في الدوائر الجغرافية أو حتى المؤتمر لوطني طرحه لكل السودان، وهو عبارة عن رؤية للمستقبل وكيفية البناء والتطوير وتحقيق الإنجازات الكبرى، وأوجزه في شعار براق وخلاَّق هو «مروي 2020م»، دعا فيه الجميع إلى تصور المنطقة وحدود الدائرة الجغرافية بعد نهاية الدورة لانتخابية في 2020م.
> هذه رؤية جديدة في العمل السياسي، وتعيش الولايات بنبضها المتسارع وقضاياها وهمومها حالة سياسية فوَّارة ودوَّارة وتتهيأ للانتخابات بعكس العاصمة والمدن الكبيرة التي فقدت فيها الانتخابات البريق، لضمور في الخطاب السياسي وفقدان النجوم الانتخابية في مسائها.