مقالات متنوعة

د. عبد الماجد عبد القادر : الغابات.. والمَفاريك!!!


المِفراك (بكسر الميم) هو ذلك العود الصغير والذي ينتهي برأس ليشكل حرف (تي) أو “صليب”، ويستعمل لأغراض فرك الملوخية والبامية وفرك الدقيق والكثير من الأغذية والحجم الأكبر منه يسمى الكنش. وكلمة المِفراك عربية الأصل مشتقة من الفعل فرك يفرك فركاً، وتعني تقطيع الأشياء وخلطها وتكوين مزيج منها. وأول ما استعمله الإنسان الأول كان عندما حاول إيقاد النار باستعمال المِفراك والفرك بيديه على عود ثابت لتتولد عن ذلك درجة عالية من الحرارة تؤدي في النهاية إلى اشتعال النيران.

وقد تستعمل كلمة (الفِركة) لتعني القطع أو القطعة من القماش المشهور في الهند وكانت تلبسها النساء في شكل إزار أو رداء ومنها أيضاً فركة القرمصيص التي لا زالت مستعملة عند العرائس حتى وقتنا الحاضر، وقد انتقلت كلمة (الفِركة) من العرب إلى الهنود ودخلت اللغة الأردية، ويكثر في الأدب الشعبي السوداني ذكر الفركة بأنواعها المختلفة ومنها (الفِركة أم باب) وفِركة (الخديوي) وكانت مشهورة على أيام الحكم التركي إبان عهد الدولة العثمانية الذي استمر لمدة خمسمائة عام تقريباً.

وللمفراك استعمالات كثيرة غير الاستعمال المشهور به في حلة الطعام، ومن ذلك استعماله في نفخ الخروف أو الذبيحة بحيث يقوم بتسهيل مجرى الهواء.. والبعض يستعمل المفراك لحك الظهر وبعض النساء يستعملن المفراك لعقاب الأولاد والبنات الصغار. وهناك استعمالات أخرى للمفراك ليس هذا مجال ذكرها، على أن أهمها أنه يستعمل كسلاح للقتال بين النساء وفي بعض الأحيان يستعملنه (حدّاثة) وهي العصاة الصغيرة التي تساعد المتحدث على تركيز أفكاره وهو (يشخبط) بها على الأرض أثناء الحديث مع الآخرين.

ولعل الكثيرين لا يدركون أن المفراك آلة خشبية تصنع من شجر الطلح وشجر الهشاب والسنط أو الكتر واللعوت والسيال وهي مجموعة الأشجار الشوكية المكون الأساسي لما يعرف بحزام الصمغ العربي في السودان والذي يتشكل من حوالي ثلاثين نوعاً من الأشجار الشوكية من أهمها الطلح والهشاب.

وإذا عرفنا أن في كل بيت ومطبخ سوداني ما لا يقل عن مفراكين أو ثلاثة مفاريك على أقل تقدير فهذا يعني أننا في البلاد نحتاج إلى حوالي عشرة ملايين مفراك. وإذا افترضنا أن قيمة المفراك في السوق المحلي “عند النسوان” اللائي يبعن القفاف والمفاريك يصل إلى جنيه واحد بالجديد أي حوالي ألف جنيه بالقديم، فهذا بالضرورة يقودنا إلى أن قيمة المفاريك التي يستعملها شعب السودان تصل تكلفتها التقديرية إلى ما لا يقل عن عشرة مليارات جنيه بالقديم.. وإذا قلنا إن المفراك يحتاج إلى التجديد كل عامين فهذا يعني أن هيئة الغابات بالسودان تمدنا سنوياً بما قيمته خمسة مليارات جنيه من المفاريك لأغراض الاستعمالات المختلفة. ولهذا يجوز لنا أن نطلب من السيد وزير المالية والعاملين معه في قسم الميزانيات أنه من الضروري الوضع في الاعتبار ما تقدمه (الغابات) على الأقل في مستوى المفاريك، ولو كنت الوزير المختص لذكرت في التقارير أن الغابات تساهم في بند المفاريك بما قيمته خمسة مليارات جنيه سنوياً وكنت سأوجه بتخصيص قيمة المفاريك لمصلحة الهيئة القومية للغابات لتحفيزها على المزيد من الإنتاج للغابات المنتجة للمفاريك.