حوارات ولقاءات

قطبي المهدي: المؤتمر الوطني لم يعد كما كان في التماسك والمصداقية.. وهو دواء فقد صلاحيته


الحزب تعامل مع وثيقة الإصلاح بسطحية
هناك أصحاب تطلعات مسنودين بأتباع وشلليات سعوا إلى خلافة الرئيس
المؤتمر الوطني عجز عن وقف التدهور الأخلاقي في المجتمع
رغم أنه أكد عدم شغله أي موقع في مؤسسات المؤتمر الوطني لكن يظل الحديث مع الدكتور قطبي المهدي حديثاً عالي القيمة، ووافر المعلومات والتفاصيل؛ للمكانة التي يشغلها بين قيادات الإنقاذ في مراحل عمرها المختلفة، وشجاعته في قول الحق، والحرص على البقاء داخل المؤسسات.

أنت أول من شبه المؤتمر الوطني بالدواء الذي فقد صلاحيته.. لكن الشاهد أن قيادات كثيرة خرجت من الحزب لم يكن حديثها في قسوة وصفك بينما ظللت باقياً في الحزب؟.
أنا قلت هذه العبارة محذراً من خطورة عدم استعداد المؤتمر الوطني للمستقبل؛ لأنه سيكون في هذه الحالة كالدواء الذي فقد صلاحيته- وللأسف- هذا الوضع قائم حتى الآن؛ فالمؤتمر الوطني لم يعد كما كان من حيث التماسك، والمصداقية، للمبادئ التي كان يتحدث عنها، ولا من حيث مستوى العضوية، وأن خطابه السياسي لم يعد بمستوى وحجم التحديات.. أنا صحيح ما زلت نظرياً موجوداً في الحزب.
لكن حتى متى؟.
الله أعلم- لكن- ربما- يأتي اليوم الذي أفقد فيه الأمل بسبب العجز عن تشخيص المشكلات.

هل مؤسسات الحزب هي التي قادت إلى هذا الحال؟.
إذا كانت المؤسسات قادرة على لعب دورها لما وصلنا إلى هذا الحال، فهي لم تعود قادرة على اجتراح البرامج والرؤى الإصلاحية، ووضع الآليات التي تنفذ بها هذه الرؤى.
قبل أكثر من عام أعلن الحزب وثيقة الإصلاح وقلتم إن اجتماعات وأوراق قد حددت مطلوبات الإصلاح أين ذهب كل هذا؟.
قضية الإصلاح هي قضية جذرية، لكنها تحتاج إلى عمق كبير جدا في تناول المشكلات، لكن الطريقة القائمة الآن تتناول الإصلاح- إلى حد ما- بشكل سطحي؛ لذلك علينا أن نعترف أن المؤتمر الوطني يعاني من مشكلات تحتاج إلى مجهود كبير؛ لمعالجتها، فهي مسائل لا تتم معالجتها بالاجتماعات والقرارات، لكنها تحتاج وقتاً طويلاً، فنحن- للأسف- فقدنا جيلين، والجيل الذي نريده أن يستلم القيادة في المؤتمر لم نعده بشكل جيد؛ مما خلق فجوة كبيرة بينهم وبين القيادة الحالية، فهذه مسألة يستغرق علاجها وقتا طويلا.

ما الذي أوصل الأمور إلى هذه النقطة.. ومع مهام وأعباء الحكم ألا يجعل ذلك الإصلاح أمراً مستحيلاً؟.
صحيح وأنا عندما حذرت من تحول الإنقاذ إلى دواء فاقد للصلاحية لهذا السبب، وعدم الترتيب لمشاكل المستقبل بالتخطيط السليم الذي يضع حلولا لمشكلات المستقبل قبل أن تقع، ولا ننسى أن هناك ناحية تتعلق بالقيادات والعضوية، فالمؤتمر الوطني يدعي أن عضويته تتعرض إلى تربية وإصلاح نخبوي وفكري، وتأهيل صفوي، وهذه عملية اكتشفنا أنها غير موجودة، وإيجادها يحتاج إلى وقت طويل.
كيف ترى مستقبل المؤتمر الوطني في ظل استمرار الأوضاع التي ذكرت؟.
الحاضر يثبت حدوث أشياء، وبروز ظواهر تحدث لأول مرة، يشهد على ذلك الصراعات القبلية التي حدثت أيام انتخابات الولاة، وغير ذلك من الظواهر السالبة التي برزت من عدم الموازنة بين التربية الروحية والاتجاه للتحول إلى حزب جماهيري، إضافة إلى كثير من الممارسات التي تشير إلى تحول المؤتمر الوطني إلى حزب تقليدي.

من المسؤول عن كل ذلك؟
عندما جاء وقت تقديم المؤتمر الوطني مرشحاً في الانتخابات القادمة لمنصب رئيس الجمهورية وجد الحزب نفسه في وضع محرج جداً فلم يكن لدية أي خيار مقنع للدخول في منافسة الانتخابات لمنصب رئيس الجمهورية، فحزب مكث في السلطة أكثر من 25 عاماً كان ينبغي عليه أن يكون عنده خمسون مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وهذه دلالة على عجز الحزب عن الاعداد الجيد لكوادره فلم يجتهد الحزب في الاستعداد لملء فراغ القيادة طوال الفترة الماضية.
يقول البعض: إن هناك مجموعة أرادت الإبقاء على مصالحها بإبقاء الرئيس رئيساً وليس عدم وجود بديل مقنع؟.
من السهل حدوث ذلك لكن الرئيس أعلن عدم ترشحه مرة أخرى، لكن كما ذكرت لك ظهر إشكال البديل، ولعل بروز بعض القيادات ذات التطلعات الشخصية التي طمحت في خلافته اعتمدت في ذلك على مجموعة من الأتباع والشلليات، وهذا دليل على عدم استعداد الحزب لمجابهة مثل هذا الموقف.
هل كان الرئيس جاداً في عدم الترشح مرة أخرى؟.
نعم كان جادا جدا وقرر ذلك قبل وقت كافٍ، وأنا واثق جدا من رغبته إذ كنت أحد الذين عملوا على ثنيه عن ذلك من خلال محاورات استغرقت وقتا طويلا، وضغطت عليه كثيرا باعتبار أن القضية قضية بلد وليس حزب، وكانت النتيجة اقتناع الرئيس بالترشح للأسباب الموضوعية التي سقناها له.
هل تعتقد أن الانتخابات الحالية هي مخرج حقيقي من أزمات البلاد؟.
هي مخرج لازم في كل الأحوال باعتبار أنها استحقاق دستوري، وحق من حقوق المواطنين، ليختاروا من يحقق آمالهم وتطلعاتهم، وهذا أمر لا علاقة له بالأحزاب، وبالمشاكل السياسية، والتنافس على السلطة والحكم.

لكن هل المناخ العام مواتٍ للعملية الديمقراطية؟.
أهم مافي هذه الانتخابات أن الفرد السوداني يمارس دوره كاملا، بحرية كاملة، وعلى الأحزاب أن تضع برامجها.
هناك حديث وتهم كثيرة طالت المؤتمر الوطني في جوانب رشاد الحكم والنزاهة؟
هذه مشكلة داخلية وما كانت متوقعة أن تحدث من أفراد يعدّون صفوة المجتمع، وأصحاب مشروع ديني، وأخلاقي، فالمؤتمر الوطني انشغل كثيرا عن تربية الأجيال الجديدة؛ فقد انتشر الفساد؛ بسبب تنامي المجتمع، وزيادة الخدمات، فقدرة الحكومة كانت محدودة في اقتلاع الفساد من جذوره عبر حلول عملية قاسية تحتاج إلى إرادة قوية، لا بد من الإشارة إلى وجود ظواهر كثيرة ساهم فيها المجتمع، وعلاقة الجمهور بالخدمات المختلفة، وصغار الموظفين.
الحكومة متهمة بأنها حولت الفساد إلى تجاوزات مؤسسية؟
من السهل أن تتهم الحكومة بأي شيء وهذا نهج قديم في السودان؛ فالأحزاب التقليدية كانت تمنح أتباعها الرخص والمكاسب في عهود حكمها، وهي تتهم الحكومة- الآن- بذات التهم، معتبرة أن ذلك التقليد يحدث الآن.. لكن أنا- شخصيا- سعيد بالحديث الكثير عن الفساد؛ لأنه يجعل الحكومة والمسؤولين- دائماً- تحت المجهر.
المؤتمر الوطني متهم أن تمويله من الدولة؟.
الحزب الحاكم لديه مصادر تمويل مشروعة ومعروفة وهذه من الأشياء التي وقفنا عندها كثيرا في مسيرة المؤتمر الوطني.

غالبية قيادات الإنقاذ عندما تقارن حالها قبل 89 والآن تجد أنها أثرت ثراءً فاحشاً ألا يمكن اعتبار ذلك من أدلة الفساد؟.
هذه مقارنة غير صحيحة؛ لأن الناس تتطور، فمن يمتلك شركة صغيرة يمكن أن ينميها ويزيد من أرباحها سنة بعد سنة، أرى أن الحكم عليه بمتابعة الأساليب التي يستخدمها في جني الأرباح، وأنا أرى أن قضايا الأفراد يمكن معالجتها، لكن السؤال المهم، هو هل الفساد هو فساد نظام؟، الإنقاذ في سنواتها الأولى حاربت الفساد بقوة، لكن عظم التحديات التي واجهتها الإنقاذ صعب من مهمتها في سد فراغات كثيرة ساهمت في انتشار الفساد.
هل هناك أمل في الإصلاح؟.
أنا غير متفائل، الإنقاذ منذ بدايتها ظلت تواجه تحديات كثيرة، وظلت تدافع عن البلد، لكن هناك أشياء أساسية لم تجد العناية اللازمة، فالمجتمع أصابته ردة في الاخلاق والتماسك، وانفرط عقد الأسر، وانتشار البغاء والمخدرات، فضلا عن التدهور الأخلاقي الذي أصبح ظاهرة لا تحتاج إلى إثبات، وغالبية هذه الظواهر كانت تحتاج إلى نهضة اقتصادية.
كيف ترى المستقبل؟.
للأسف- الحال سيمضي في تدهور مستمر- وللأسف- أننا كنا نرى دولا أفريقية كثيرة أسوأ من السودان، وصرنا ننحدر بسرعة إلى مصيرها، فأخشى أن نصل إلى مصير دولة الجنوب التي كانت إلى عهد قريب جزءاً من السودان الكبير، أو إلى مصير الكنغو.
هل لديك روشتة علاجية سريعة دواء صالح؟.
فعلاً هذا يعيدنا إلى مقولتي أن الإنقاذ دواء فقد صلاحيته.

هل الحل في رحيل الإنقاذ؟.
السؤال من هو البديل هل هو الحلو ومناوي وقيادات الجبهة الثورية؟.
طيب أين ترى الحل؟.
الحل في حوار يقوم على منحى قومي في التفكير حوار يجمع أهل كل التخصصات والمهن والقطاعات- أهل الطب والتعليم والاقتصاد- لكن الحوارات التي تجري الآن غير ذات جدوى؛ لأنها تبحث عن تقاسم السلطة والمحاصصات، على أن يكون المؤتمر الوطني أحد مكونات هذا الحوار، مثله مثل أي حزب.
ومن يحكم؟.
أن يعيِّن الرئيس حكومة كفاءات، وليس تكنوقراط، تركِّز على مواطن المشكلات الأساسية.
وبيد من قيادة مثل هذه المبادرة؟.
بيد الرئيس.
أين أنت من مؤسسات الحزب؟.
أنا- الآن- مجرد عضو- فقط- انتمي إلى المؤتمر الوطني بقناعاتي الفكرية، لكنني لا أتسنم أي موقع حزبي، وأنا- طبعا- لم أترشح في الانتخابات التي تجري الآن.
هل هذه رغبتك أم تم إبعادك؟.
حقيقة أنا أعلنت زهدي في المناصب منذ فترة طويلة، والحزب علم بذلك، لكن يبدو أن هذا القرار وقع للبعض في جرح، وصادف هوى في نفوسهم، وسروا به.

صحيفة التيار