الطاهر ساتي

حياتكن سعيدة !


:: يومكن سعيد، وكل حياتكن عافية و عيد و راحة بال..لكل الأمهات – ولأُمي – بطاقة حب..وكانت – حين يبلغ بنا الحرمان مآلاً قاسياً – تذهب بدجاجها و حمامها إلى سوق القرية، ثم تأتينا منتصف النهار بقوت اليوم اذا وجدت لدواجنها شارياً..هذا أو تأتينا بنصائح الصابرة، فنطوي الأسبوع بالقليل من الزاد لحد ( الكسرة بالطماطم والملح ) ونكون – على هذه النعمة – من الشاكرين..وكانت، في تلك الايام القاسيات، حين يحل الشتاء وبرده، تحمل فأسها وتحتطب (النيم والجريد)، لتسد بها فجوات عرش (بيت الطين)..وكانت، حين تتجمع سحب الخريف وتنذر بالمطر، تحمل جوالها فتجمع روث البهائم لتوفر للجدار المتآكل سطحاً واقياً من ( الزبالة)..!!

:: وكانت الشريفة ترسم لنا خطى الطريق القويم في دروب الحياة الوعرة والشائكة، وتعبد لنا جسورا من المودة و التراحم والتقدير بيننا وبين الأهل والجيران.. وكانت، حين يكتمل يومنا الدراسي ونعود إلى الديار، تحملنا المعاول وتذهب بنا إلى شاطئ النيل لنزرع الجروف بالخيرات، فيقتات منها الناس و الأنعام.. وكانت، حين يكتمل عامنا الدراسي، ترسلنا فجراً إلى مقاول القرية و( أسطتها ) لنناوله بايادينا الصغيرة و سواعدنا النحيلة (الطوب و المونة )، ثم نرجع إليها مع المغيرب ب (أجر اليومية )، فنجدها أعدت شاي المغرب و( الابريق ) و ( برش الصلاة) و صالح الدعاء..!!

:: شكراً لتلك الدروس التي رسخت في نفوسنا قيمة الكد الشريف وعدم الاحساس بالدونية في مقامات العمل و الكسب الحلال .. وشكراً لتلك الايام القاسيات والتي ان فارقناها – حالاً – سيبقى طعمها و لونها و رائحتها في الخاطر إحساساً نبيلاً لمعنى الحياة.. نتذوق طعمها ونشتم رائحتها في عرق البسطاء الصاب في سوح الكد والعطاء وهم يبحثون – بالإيمان والعزائم – عن الرزق الطيب .. ونملأ الأعين – بلون تلك الايام الطيبات – حين نمر بأزقة بيوت الطين و أكواخ الكرتون، و تحتها الصابرين ومن حولهم مضاءة عيون أطفالهم بأنوار الأمل ..!!

:: وفي الخاطر مشهد من تلك الأيام أيتها الغالية..انتهت الحصة الثانية بمدرسة السير المتوسطة، ليعلن الجرس ( فسحة الفطور)، وأذهب – جائعا- إلى السوق، حيث أمي تبيع بعض دواجنها، ولم تكن قد باعت..فعدت لأواصل الحصص بجسدي فقط، فالعقل يرصد أصواتا يصدرها (فراغ البطن)..وإذ بناظرنا يدخل علينا قبل انتهاء الحصة الرابعة وكانت تاريخا، ثم يستأذن من أستاذ التاريخ، ويأمرني بالخروج من الفصل ومقابلته في مكتبه..فأقصد مكتبه متوجسا : (ما الخطأ الذي ارتكبته ليعاقبني ناظرنا في مكتبه؟)..وأدخل المكتب، وإذ بست الحبابيب تجلس شامخة..بيمناها أرغفة و(كيس طعمية)، وبيسراها (مجلة ماجد وكراسات)، فتحول الجوع والحزن إلى (شبع وفرح)..!!

:: شكراً لله – ثم لك أيتها الغالية – على تلك اللحظة، وشكراً لله – ثم لك أيتها الغالية – على كل لحظات حياتك وحياتنا..أرحم كل أم بجوارك يا الله، وأكرمها بالفردوس مقاماً طيباً..وعبرك – أيتها الغالية – الود لكل أمهات بلادي وهن يستقبلن هذا الصباح، وصباحهن – وكل حياتهن – سعادة و (راحة بال)..ولك الحب أيتها الغالية، ولكل أم فرضت عليها أقدار السماء تحمل صعاب الحياة وضنكها بإرادة صلدة و صبر لا يئن..ولك الوفاء ولكل أم تعد ابناً او ابنة إلى المستقبل بعدة العلم و عتاد القيم والفضائل وكريم الخصال..و دائماً بفضل الله (حياتكن سعيدة)..!!
_____
21 مارس 2004