تحقيقات وتقارير

“صوت” جالية: بمفازة عن “الداعشية” والسياسات الإقليمية.. بعيداً عن المرامي الاقتصادية.. ما يطلبه المغتربون


من المنتظر أن يحتقب الرئيس البشير اليوم القضايا ذات الاهتمام المشترك ويعبر البحر صوب بلاد الحرمين، ملبياً الدعوة التي وصلته من الملك سلمان بن عبد العزيز، لزيارة الرياض. ويبدو لوهلة أن الخرطوم تنتظر من الزيارة إعادة تدعيم علاقات التعاون الإقتصادي، فبحسب عبد الحافظ إبراهيم، سفير السودان بالمملكة العربية السعودية، إن الزيارة من شأنها أن تساهم في توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين، وتبحث سبل تعزيزها عبر تفعيل دور القطاع الخاص في البلدين، إضافة إلى تفعيل مبادرة البشير للأمن الغذائي ومدى استفادة السودان من المنتوجات السعودية من خلال صندوق دعم تنمية الصادرات السعودية.

وبعيداً عن الشأن الاقتصادي لربما كان التواصل السياسي ومقاربة الأفكار عطفاً على قدرات التأثير المتاحة للملكة هو إحدى المخرجات المنتظرة من الزيارة، فتحركات الخرطوم تستوعب بالضرورة الخطوات الجديدة التي يمضي فيها الإقليم، والتحالفات الجديدة التي بدأت تتخلق.

ولا يمكن قراءة الزيارة بعيداً عن التحولات الجديدة في المنطقة العربية، والتي تمثل المملكة لاعباً أساسياً فيها. إذ يغادر البشير إلى العاصمة السعودية عقب حسم الجدل المتعلق بالجانب المصري في سد الألفية، وهي حتماً تعني أن الرئيس يرنو لـ(نهضة) جديدة في العلاقات مع الجار الخليجي بالغ التأثير في عملية إعادة رسم الخارطة السياسية بالمنطقة. وعليه لربما كانت الزيارة تتعلق في بعد آخر ربما بالتجهيزات للقمة العربية المزمع عقدها في شرم الشيخ المصرية نهايات مارس الجاري، وذلك من أجل توحيد الرؤي العربية في مكافحة الإرهاب. ويمضي البشير مدعوماً بمقاربة سودانية خالصة في محاربة دولته للإرهاب، ويحدوه أمل بتعاون الجانب السعودي في هذا الاتجاه.

إذن يومان سيقضيهما البشير في ضيافة الملك سلمان بن عبد العزيز في الرياض، وهي فترة كافية لوضع النقاط فوق الحروف فيما يتعلق بعلاقات البلدين، وللتوقيع على الاتفاقيات الاقتصادية التي يمكنها أن تحدث نقلة نوعية في مشهد التواصل بين العاصمتين، وتكون بمثابة الوقود الذي ستستغله طائرة البشير المتجهة إلى شرم الشيخ من أجل صياغة واقع عربي جديد، متفق حوله.

لكن أمر الزيارة قد يتجاوز إعادة رسم المشهد الاقليمي للمنطقة، للوضع الداخلي في السودان، والبلاد على بعد خطوات من الإستحقاق الإنتخابي، وتدور في شوارعها عمليات البحث عن الأصوات والشرعية الجماهيرية. إذ سيجد الرئيس ما يزيد عن الثلاث ملايين من رعايا السودان قد سبقوه إلى المملكة، باعتبارها الخيار الأول للمغتربين، فالسعودية تعتبر أكبر تجمع للسودانيين بالخارج، وهو ما يجعل المرشح الرئاسي عن كتلة المؤتمر الوطني في نسخة انتخابات 2015 يصطاد عدة عصافير بزيارة واحدة.

ويهبط البشير إلى الرياض التي تحمل في سجلات المفوضية القومية للانتخابات الرصيد الأكبر في عدد المسجلين للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي، وفي ذات المملكة فإن عدداً من مراكز الامتحان للشهادة السودانية تُقام هناك، وهو ما يؤكد علي فرضية أن سودانا آخر يمكن قراءة تفاصيله في الأراضي السعودية.

والحال كذلك فإنه من المؤكد أن هناك بعض المشكلات التي يعاني منها المقيمين في أراضي المهجر السعودية, مثلما هو الواقع في سودان الداخل. وللمصادفة فإن مشكلات الخارج يرتفع فيها الآن صوت احتجاج على سياسات البعثات الدبلوماسية فيما يتعلق بتقديم الخدمات للمواطنين.

وسيرافق البشير في الرحلة التي تستغرق يومين علي كرتي، وزير الخارجية، الذي سيصل إلى الأراضي السعودية بعد أن غادرتها لجنة التحقيق التي كونها في قضية اتهام المواطن أسعد التاي، المقيم بالمملكة، لموظفي قنصلية جدة؛ بالاعتداء عليه. وهي القضية التي شغلت الرأي العام السوداني لفترة، وجعلته يعد الأيام في انتظار تقارير اللجنة.

حسناً، أصوات السودانيين المقيمين بالديار السعودية تتضمن بالضرورة أصوات احتجاج ربما تجد مكانها أمام طاولة الرئيس حال قيام حشد للجالية هناك. فمن المؤكد -بلا استلاف لصوت الجالية- أن الكثيرين يجأرون بالشكوى من الضرائب الباهظة التي يدفعونها للسلطات مقابل الخدمات، وقبل ذلك فإن شكوى تتعلق بالحنين للعودة ربما تجد حظها من التداول، وهي مسألة عاطفية ترتبط في بعدها السياسي بضرورة توفير مناخ العودة، الذي لا يخرج في كلياته من بُشرى يضعها (الوطني) في برنامجه الإنتخابي ويتخذها شعاراً؛ “نقود الإصلاح ونستكمل النهضة”. فالشعار يلخص كل معاني الاستقرار، بيد أنه لا يمكن الوصول إليه ما لم تنجح الحكومة السودانية -الحالية أو المنتخبة مستقبلاً- في وقف نزيف الحرب والقضاء علي كل أسبابها، فالدور الإيجابي للسودان في مكافحة الإرهاب في المنطقة، باعتباره مطلب الدولة المضيفة، سيكون مطلب السودانيين في السعودية، ولكن عبر صيغة أخرى؛ تُطالب الحكومة ومعارضيها الجلوس في الأرض، ومعالجة الإشكاليات الداخلية.

الزين عثمان
صحيفة اليوم التالي