عبد الجليل سليمان

الإعلان والتأثير على المهنية


لاشك، أن العلاقة بين الإعلام والإعلان معقدة وشائكة إلى حد أن الفصل بينهما ربما يفضي إلى (معارك) طاحنة، وتظل العلاقة بينهما في (عسل) من أمرها طالما ظلت وسائل الإعلام المختلفة تشيح بوجه (مهنيتها) – وربما تدوس عليها مقابل (دنانير ودراهم) المُعلنين الكبار.

يفترض بالإعلام – على المستوى النظري – أن يتحلى بأخلاقيات الممارسة الإعلامية، وهذا ما ينبغي أن ينطبق على الممارسة الإعلانية نفسها، ووفقاً لهذا الافتراض (الجزافي) طبعاً، كونه يتحدث عن ممارسة أخلاقية تحت وطأة (البيزنس)، قد يتفهم الفسطاطان طبيعة العلاقة بينهما بناءً على تلك القيم ويستمران فيها دون الإضرار بالشرائح المستهدفة بالرسالة الإعلانية.

أسئلة كثيرة تبرز في هذا الصدد، ليس أهمها، ولكنه محض نموذج فقط، أن يُطرح سؤال مثل “كيف لوسيلة إعلام أن تروج لسلعة أوخدمة وهي تعلم أنهما قد تضران بالمستهلكين؟”.

لذلك، وصفنا تلك العلاقة بالمعقدة والشائكة، فمن جهة يمكن للإعلام أن (يمسح بسمعة) منتج محدد (سلعة أو خدمة) لشركة ما (الواطة) ويجعل الزبائن (المسشترين) المفترضين يولون عنها الأدبار إلى يوم الدين، فتتعرض الشركات إلى إفلاس وتضطر إلى غلق أبوابها ونفض يديها وقدميها من غبار المعركة الخاسرة.

وفي المقابل، يمكن للشركات المعلنة خاصة الكبرى منها، أن تلوي مهنية وسائل الإعلام وتجعلها رهينة للمبالغ المالية التي تضخها إلى خزائنها، فتؤول تلك الوسائل بالضرورة (توابع) اقتصاديه للشركات الكبرى، وبالتالي تضطر إلى غض البصر سلبيات منتجاتها، طالما أصبحت شريانها المالي الأوحد – فلو قطعته – نزفت وماتت. وهكذا دواليك تبدو العلاقة بين وسائل الإعلام وشركات الإعلان أشبة بالعلاقة التكافلية التي تنشأ بين الطفيليات.

حسناً، وفقاً لذلك تتضح أهمية تناول موضوع أخلاقيات الإعلان حتى يتسنى لنا رصد وتحليل ما هو شائن ومعيب على مستوى الأداء الإعلامي، وكذلك كشف ودحض أساليب الممارسة الإعلامية التي تهدد الالتزام المهني والأخلاقي الإعلامي على مستوى المؤسسات الإعلامية.

بالنسبة لي شخصياً، ومما لا شك فيه أن لكل مهنة واجباتها الأدبية والأخلاقية التي تنشأ معها وتترعرع في أحضانها، بحيث يجد من يمارس المهنة نفسه ملزماً بالانصياع لها بوازع من ضميره وبدافع من خلقه بغض النظر، عما إذا كان الشارع قد قام بتقنين هذه الواجبات أم لا، وهذه حقيقة واضحة عبر عنها المصلحون والفلاسفة والأدباء والشعراء .

كما أنه لا قيمة لأي برامج تربوية أو تعليمية أو دورات تدريبية أو تطويرية ما لم تؤسس وتقام على قاعدة الأخلاق أو ما اصطلح على تسميتها بأخلاق المهنة.

وعليه، فإذا ما اتفقت جميع وسائل الإعلام – هنا أو هناك – على الالتزام الصارم بتلك القواعد، فإن سيتضح أن بعض الشركات التي تحسن الظن بقوة ساعدها وعضدها مصابة بهشاشة في العظام.