مقالات متنوعة

د. عبد الماجد عبد القادر : في انتظار البشير!!!


أحد أعمامنا ذكرني بالطرفة التي حدثت في أو حوالي عام 1925 عندما قام السيد علي الميرغني بزيارة للمديرية الشمالية على ظهر الباخرة التي كانت تعرف «بالقياسة»… وقد نزل السيد علي الميرغني في ضيافة جدنا المرحوم عبد الماجد أبو علي عمدة المنطقة الممتدة من جنوب الفاضلاب والحسبلاب والتميراب وأبو سليم وصولاً إلى مشارف مشروع الزيداب الذي كان آنذاك جزءاً من مشروع الجزيرة بحسبان إجراء التجارب الابتدائية هناك قبل افتتاح خزان سنار.. وقد قام جدنا العمدة عبد الماجد بحسن استقبال السيد علي والعمل على ضيافته وإكرامه إضافة إلى الاستقبال الطيب الذي وجده السيد علي من المواطنين الآخرين حيث كانوا سبّاقين إلى إبداء شعورهم بتقديم «الزيارات» و«الكرامات» والذبائح.

ويبدو أن أحد أقارب جدنا وكان متطلعاً إلى الحصول على منصب العمودية قد رأى أن يفعل شيئاً غير تقليدي وأن يقدم “قرباناً” و”كرامة” للسيد علي تخرج عن نطاق ما اعتاد عليه الآخرون من ذبح الخرفان والماعز والعتان أو حتى نحر الأبقار والجمال وأن حتى على العمدة نفسه.. وقد اندهش الناس وهم يرون قريبنا هذا يقود ابنه الصبي أمامه ويحمل سكيناً في يده وحبلاً ثم يخاطب الجمع الغفير موجهاً حديثه للسيد علي بقوله إن الآخرين قد قدموا الكرامات والذبائح وهو يرى أن هذه المذبوحات أقل كثيراً من قامة السيد علي ولهذا فقد قرر أن يذبح ابنه احتفالاً وتيمناً وفرحاً بزيارة السيد لهم في قريتهم.. وبالطبع يقال إن السيد قد منعه من تنفيذ تلك المهمة ونقل إليه ما يفيد بقبوله هذا الترحيب وقبوله لهذه «الضبيحة» والكرامة البشرية مع وقف التنفيذ.

وقد اتصل بي ابن عمنا المذكور عمومتنا الآن ليقول إن التاريخ ربما يعيد نفسه وأنه كان يحكي لأبيه عن احتمال زيارة والي الولاية لقريتنا.. وربما يرافقه في هذه الزيارة في وقت ما المشير عمر البشير رئيس الجمهورية بمناسبة الحملة الانتخابية… وإن عليهم دوراً والتزاماً اجتماعياً وأخلاقياً بأن يستقبلوهم أفضل استقبال وأن يكون استقبالهم لقدوم الرئيس عمر البشير مميزاً عن كل استقبالات القرى الأخرى متجاوزاً لكل ما يمكن أن يفعله وجهاء المناطق المجاورة.. وقال الرجل إن أباه نظر إليه وهو يبتسم قائلاً “إذا زارنا البشير فلا بد فلابد أن نفعل مثلما فعل الرجل المنافس لجدك مع السيد علي في عام «خمسة وعشرين» بأن قرر ذبح ابنه..

وعلى الرغم من أن الأمر لا يعدو كونه مبالغة وتصعيداً لمبدأ المناصرة إلا أنه لا يخلو من الرمزية والإيماءات التي تشير إلى قناعة أهلنا هناك بضرورة مناصرة الرئيس والتعبير عن سعادتهم للالتقاء به حتى لو كان ما يقدمونه من حسن الوفادة والإكرام قد يتجاوز «الكرامة» والذبائح العادية.

ومن المؤكد أن ذلك التعاطف لم يأتِ اعتباطاً أو خوفاً أو تملقاً وإنما جاء بسبب النقلة الكبيرة التى شهدتها تلك القرى بعد تنفيذ المشروعات التي رفعت من مستوى معيشة الأهالي هناك.. فقد ظلت قرى المنطقة الغربية المحاذية لضفة النيل غرب الدامر منسية تماماً في الدهور السابقة وكانت تمثل كتلاً بشرية تستجيب للإشارة الصادرة من الأسياد الذين ربما في بعض الأحيان يزورونها بغرض توزيع «البركات» وجمع الزيارات أو يعدونها بتوزيع مفاتيح الجنان في الفردوس أو بأمتار معدودة من الجنة في العالم الآخر. ولكنهم الآن يجدون أن حكومة البشير قد أقامت لهم في كل مدينة جامعة للعلوم وأقامت لهم في كل قرية مدرسة ثانوية وعدداً من المدارس الأساسية.. ثم أن البشير أقام لهم كوبري الفاضلاب وكوبري شندي مما أدى إلى انفتاحهم على مدن الضفة الشرقية.. فقد كانوا في السابق يحتسبون من الموتى سنوياً بسبب غرق المراكب والأطواف مئات من النساء والرجال والأطفال.. واتحفتهم حكومة البشير بطريق شرقي يوصلهم بالخرطوم ويذهب بهم إلى بورتسودان وبطريق غربي يقودهم إلى حلفا وإلى مصر وكانوا يموتون بالمئات في الصحراء.. وأقامت لهم مجموعة كبيرة من مصانع الأسمنت والطوب مما أدى إلى تغيير أساسي في شكل بيوتهم وحجمها.. وأدخلت لهم حكومة البشير الكهرباء والتي صار معها ممكناً أن يشاهدوا في القنوات الفضائية ليلى علوي وشاكيرا ومارلين مونرو.. والأهم من كل ذلك أن هؤلاء الناس دخلت قراهم مواسير المياه الصافية وأنشئت الصهاريج… ومثل هؤلاء القوم الذين كان حالهم كذلك على أيام أحزاب الإشارة لا نستغرب أن ترتفع أصواتهم بالإصرار على بقاء البشير أماناً للبلاد وصونا لكرامتها ولا نستغرب أن يبشر أحدهم ولده بقوله “بختك حنضبحك كرامة للبشير عندما يزورنا”.