تحقيقات وتقارير

“ثلاث ساعات ساخنة” في جلسة الأمس كان أبو عيسى يطلق الاتهامات في عدة اتجاهات قبل أن يُضطر لحزمة اعتذارات.. سرد الوقائع


سلطت الشمس أشعتها إيذانا بيوم ساخن تشهده نهارات الخرطوم والكل يسرع الخطى نحو عمله. كان الشارع قبالة البوابة الشرقية لمجمع محاكم الخرطوم شمال مكتظا كعادته في الأسابيع المنصرمة؛ كل اثنين وخميس من أيام الأسبوع يعج المكان بجموع القانونيين وممثلي وسائل الإعلام وذوي فاروق أبوعيسى وأمين مكي مدني المتهمين بالتوقيع في وثيقة نداء السودان مع الجبهة الثورية لإسقاط النظام، والكل -في انتظار الإذن بارتقاء الدرج – يفكر فيما ستفصح عنه الثلاث ساعات القادمة.
وفوجئ الحشد أمس بانقطاع التيار الكهربائي عن المحكمة والمناطق المجاورة، بيد أن عدالة المحكمة اتسعت لمواصلة سماع شهود الاتهام الذين دفع بهم جهاز الأمن، في جلسة زاد انقطاع التيار الكهربائي من سخونتها. وتوتر المتهمون ومحامو الدفاع والحضور وهم يتابعون ما يدلي به شاهد الاتهام الرابع التابع لجهاز الأمن الأمن والمخابرات، الذي كان من ضمن فريق تفتيش المرصد السوداني لحقوق الإنسان، لعدم سماعهم لكثير من إفاداته بسبب اتساع القاعة، وعدم وجود مكبر للصوت، كما اعتادوا في كل جلسة.
* انتفاضة أبو عيسى
وبعده انتفض فاروق أبو عيسى المتهم الأول بإثارة الحرب ضد الدولة وتقويض النظام الدستوري غاضباً وطلب من المحكمة إلزام الاتهام بتحديد شهوده الذين ذكرهم سابقا بأنهم ثلاثة شهود وأربعة خبراء، ولاحقا أودع كشف يحوي (14) شاهدا، وهو ما سماه فاروق بالـ(جرجرة) من الاتهام، خاصة وأنه وأمين مكي مدني محبوسان (4) أشهر في الحراسة، وأنه كسياسي يتحاكم وفقاً لقانون وصفه بالجائر، ومن واجبه كسياسي ومشرع تنوير الشعب بحقوقه، وبالقانون الذي يحاكم به رموزه. وأضاف إنه رجل معارض ليس للقانون فقط، وإنما للحكومة، (لأنها ظالمة) حسب تقديره، وزاد في غضب أنه لا يريد هيئة للدفاع عنه، وذلك عندما طالبه أحد محامي هيئة الدفاع بسحب كلامه والاعتذار. وقال أبو عيسى إنه يريد الترافع عن نفسه ككثير من المعتقلين السياسيين ممن يقومون بالترافع عن أنفسهم. وطالبت المحكمة فاروق بسحب كلامه والاعتذار، عندها تراجع أبوعيسى وسحب ما قاله واعتذر للمحكمة، ووصفها بالعدالة والشفافية والاحترام.
* جنائية وليست سياسية
إزاء غضب أبو عيسى وانفعاله جاء رد مولانا معتصم تاج السر حاسما بأن المحكمة تمثل القانون ولا تحتاج للاستنجاد بأي شخص، وليست لديها علاقة بوضع القانون لأن اختصاصها تطبيق القانون، وليس التشريع وتعديل القانون، مضيفاً إنه يمكنه اللجوء للمحكمة الدستورية للطعن في القانون. وأكد القاضي لفاروق أبوعيسى أن قضيته ليست سياسية، لأنه يواجه تهماً وفقاً لمواد القانون الجنائي، وقانون الإرهاب، والاتهام لديه الحق في تقديم كافة شهوده وبيّناته، لأن الدعوى متعلقة بالحق العام، ووفقا لقواعد محاكم الإرهاب.
وقال القاضي إنه قبل القضية بعد تأكده من أنها قضية جنائية، وليست قضية سياسية، وهي قضية تاريخية يراعى فيها كل ما نصت عليه قوانين حقوق الإنسان في حق المتهمين، وأكد القاضي أنه إذا ما أحس بغبن تجاه أبوعيسى فإنه سيتنحى عن القضية، وأن المحكمة ليست مكانا للتحدّث عن تعديل القوانين، وأضافت المحكمة أن الاتهام قدم قائمة تضم (14) شاهداً، وافقت عليها هيئة الدفاع، واعتمدتها المحكمة.
* ملاسنات بين أعضاء هيئة الدفاع
ربما إثر التوتر والجو الخانق داخل القاعة، بعد انفعال أبو عيسى واعتذاره للمحكمة التي رفعت الجلسة لمدة عشر دقائق. في أثنائها حدثت ملاسنات بين أحد محامي هيئة الدفاع ورئيسها، بسبب انتقاد وجهه له لعدم توجيهه بعض الأسئلة للشهود، ما أثار غضب عمر عبد العاطي، رئيس الهيئة، دامغاً السائل بعدم معرفته عن ما يحويه المحضر الذي سهروا هم في الاطلاع عليه. وارتفعت الأصوات ليتم احتواء النقاش قبل مواصلة الجلسة. وبنهايتها تجدد النقاش عندما تدخل أحد المحامين وطالب السائل بالاعتذار لرئيس الهيئة، لأنه أكبر منه سناً وخبرة، ولكنه كان غاضبا لأنه وجه إليه السباب أمام الحضور كما قال، وتعالت الأصوات وأصر على اتخاذ إجراءات قانونية ضده، وأنه سيُشهد الحضور على ما حدث، ولكن تدخل بقية أفراد الهيئة وتهدئتهم للمتناقشين أنهى الملاسنة التي امتدت من قاعة المحكمة في الطابق الأول إلى فناء بوابة الخروج الشرقية، وفيها اعتذر المحاميان لبعضهما وتصافيا، لتنتهي ثلاث ساعات عصيبة كان الجو في نصفها الأول ساخناً بفعل انقطاع التيار الكهربائي، ورغم عودة التيار فإن سخونة النقاش بين هيئتي الاتهام والدفاع حول ما قدمه الشاهدان الرابع والخامس من بينات في الجلسة كانت حاضرة.
* النظام الأساسي مستند دفاع
قبلت المحكمة صورة النظام الأساسي للمرصد السوداني التي قدمها الدفاع للمحكمة والتمس التأشير عليها في المحضر ورأت المحكمة قبولها والتأشير عليها كمستند دفاع (2) من حيث الشكل لحين سماع مفوض العمل الإنساني، وكان الاتهام التمس من المحكمة رفض المستند لأنه لا يحتوي على خاتم المرصد أو توقيع الشخص المفوض كما انه ليس مكتوبا على ورق مروس ولا توقيع أو خاتم المفوضية.
تفتيش المرصد
مواصلة لسماع شهود جهاز الأمن والمخابرات الوطني استجوب مولانا عمر عبد العاطي رئيس هيئة الدفاع عبدالرحمن عبد الجليل شاهد الاتهام الرابع وأفاد بأنه مثل أمام مولانا معتصم تاج السر قاضي محكمة الإرهاب باعتباره أحد أفراد فريق تفتيش المرصد السوداني والمسؤول عن ملف المرصد في جهاز الأمن ورصدوا عددا من النشاطات المخالفة للمرصد المنضوي تحت عضوية الكونفدرالية التي تضم مجموعة من المنظمات ويترأسها أمين مكي المتهم الثاني والموقع على وثيقة نداء السودان، وأن أول اجتماع لتدشين الكونفدرالية كان في المرصد، وأضاف أنهم رصدوا عددا من النشاطات أعدها المرصد منها (المحور السياسي) وتم تنفيذها خلال العام 2014م، وتضمنت عددا من البنود تنفيذا لاتفاق نداء السودان، وأن المتهم الثاني ضمن مجلس الأمناء والمدير الفعلي للمرص يقصد بها بأنه يدير كل أنشطته من خلال المرصد، وحسب مصادره أن عدد الأشخاص في مجلس الأمناء أربعة ولا يعلم إن كان يضم أكثر من ذلك، وأخبره الدفاع بأن الجمعية العمومية للمرصد تضم (15) عضوا حسب النظام الأساسي للمرصد، ونفى الشاهد اطلاعه على النظام الأساسي ولا علم له بالمادة (14) في النظام الأساسي التي تجوز للمجلس اختيار (5) أعضاء آخرين للجمعية العمومية، وأضاف الشاهد أن المتهم الثاني موجود ضمن مجلس الأمناء وحتى الآن وأنه لا يعرف بأنه استقال من مجلس الأمناء حسب ما قال الدفاع، وأقر الشاهد أن المرصد ليس متهما في القضية أمام المحكمة وأنه بدأ في متابعة نشاط المرصد منذ تعيينه في عام 2014م، ونفى حضوره لاجتماع مفوضية حقوق الإنسان بالمدير التنفيذي ولم يتم في مكتبه وأنه عرف من مصادره، وأكد الشاهد أنه لم يتحر عن السيرة الذاتية لأمين مكي مدني ولا يعرف عن وضعه عالميا بالنسبة لقضية حقوق الإنسان ولا عن عمله لأكثر من (50) عاما في حقوق الإنسان.
وواصل في إفاداته عن إعادة استحوابه بواسطة المستشار ياسر أحمد محمد ممثل هيئة الاتهام ان اجتماع تدشين الكونفدرالية تلته اجتماعات أخرى تنسيقية في أواخر العام وتلاها توقيع وثيقة نداء السودان، وتحدثوا في الاجتماعات عن الحركات المسلحة والمبادرات الشبابية ووضعوا استراتيجية المحور السياسي لكيفية الوصول إلى فرص التدريب في منظمات المجتمع المدني للمتعاونين في مجال حقوق الإنسان ومثال لذلك مشروع مراقبي حقوق الإنسان، ويمارس المتهم الثاني نشاطه في المرصد عبر شبكة متعاونين والمصادر وأن المدير التنفيذي يتم تعيينه من قبل اللجنة التنفيذية وأن المتهم الثانى رئيس أمناء المجلس وأوضح الشاهد أنه في لحظة تفتيش المرصد كانت هنالك ندوة لمناصرة نداء السودان ومعظم المشاركين فيها صحافيون وأكد الشاهد أنه ليس لديه ما يؤكد مقابلة المتهم الثانى لسيما وأن ما تحصل عليه كان عبر المصادر وأن كل المعلومات واللقاءات والاجتماعات استقصاها من المصادر.
شاهد تفتيش محايد
في السياق دفع الاتهام بشاهد الاتهام الخامس وهو شاهد محايد حضر تفتيش المرصد فيما استغنى الاتهام عن شاهد الاتهام السادس وهو الآخر محايد أكد أنه كان موجودا معه أثناء التفتيش ووقع على كل المستندات الموضوعة أمام المحكمة وكان الشاهد الخامس أسامة عبد الوهاب عبد الرحمن الذي يعمل تاجر عطور في محل ضمن بناية المرصد وليست لديه أي علاقة بالمرصد وأن أحد أفراد الأمن وواحدا من العاملين في المرصد طلبا منه حضور إجراءات التفتيش وأنه أغلق محله وذهب للمرصد وفي حضوره أخذوا ملفات وعددا من أجهزة اللابتوب ووقع أسفل مستند اتهام (2) أمر التفتيش دون أن يعرف عدد الأجهزة المحجوزة ولم يعرف إن كانت تخص المركز أم غيره، وأقر بعدم رؤيته أو معرفته ما تحويه الملفات لأنه لم يفرزها، ولا يتذكر رؤيته صور قيادات الحزب الشيوعي، وقال إنه لم ير المتهم الثاني الا في المحكمة، وأضاف أن موقعه داخل المحل لا يسمح له برؤية كل الداخلين والخارجين للمرصد.

اليوم التالي