منى ابوزيد

مواطن ومخبر ونظامي ..!


“العابرون فوق حواجز الكرامة هم الذين يحددون سلوك المعتدين، بخضوعهم، أو رفضهم لشيوع طبائع الاستبداد فيهم” .. الكاتبة!
قالت صحيفة الرأي العام الصادرة ليوم الأمس في صفحتها الأولى، إن محكمة جنايات بحري قد عقدت يوم أمس الأول، جلسة إجرائية لمحاكمة سبعة نظاميين متهمين بقتل مواطن جاءت وفاته نتيجة راجحة للتعذيب، وأن المتهم ألقي القبض عليه ضمن خمسة متهمين بسرقة مزرعة في منطقة “أبو دليق” تخص شقيق قيادي نافذ! .. سبحان الله .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..!
هذا الخبر الفظيع أعادني إلى حكايات الدكتور علاء الأسواني عن صور استبداد ضباط وعساكر الشرطة في مصر، أواخر عهد الرئيس مبارك، ودورها الأكيد والمتفاقم في التعجيل باندلاع الثورة المصرية ..!
والحقيقة أن المقارنة بين نصوص التشريع ـ الخاصة بإجراءات القبض والتحري والحبس على ذمة التحقيق ـ وطبيعة التطبيق (وراء أسوار السجون وخلف قضبان الحراسات) تنتهي بأن مآسي بعض المحكومين في السجون، ومظالم معظم الموقوفين على ذمة التحقيق في الحراسات، تحدث بسبب تجاوزات هائلة ومخالفات صريحة للأحكام القانونية الخاصة بمعاملة النزلاء .. هل السبب الأكيد هو ضعف الرقابة؟! .. أم عدم جدية السلطات المعنية في تقييم أفعال المتجاوزين؟! .. الله وحده يعلم ..!

قبل فترة ـ أظنها عام أو يزيد ـ حملت ذات الصحف المحلية خبر جريمة بشعة، وقعت داخل سجن بمدينة سنجة، وقد كان المتهمون فيها أيضاً ـ ويا للمصادفة! ـ سبعة من رجال شرطة السجون، وكان المجني عليه مسجوناً هارباً، نجحت إدارة السجن في إعادة القبض عليه .. أما العقوبة الفظيعة ـ أجاركم الله ـ فقد كانت اغتصاب المسجون الهارب أمام جمع غفير من زملائه المساجين! .. هذا هو ـ بالتحديد! ـ ما نص عليه الخبر .. وهذا هو ـ بالضبط! ـ حجم المسافة الفادحة بين وجاهة النص وفظاعة الواقع ..!
عندما كتبت قبل سنوات عن صور الظلم والتجاوزات التي يضعها القانون صراحة في خانة الجرائم، ورغم ذلك يتعرض لها المحكومون في بعض السجون السودانية، قال لي مسئول رفيع في الشرطة السودانية ـ قال بالضبط! – إنه يقر بوجود بعض الحوادث والتجاوزات، لكنها تصدر عادة عن بعض العساكر وليس الضباط ..!

ياولاة الأمر أفتونا بالله عليكم .. كيف تحول المواطن السوداني ـ الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق .. ويواسي في الأتراح .. ويبشر في الأفراح .. ويشارك في الانتخابات .. ويهتف في المسيرات .. ويحافظ على كرامة البلاد .. ويقر بهيبة الدولة – إلى غنيمة سجان خلف الأسوار .. أين نحن منكم؟! .. وإلى أين نسير معكم ..؟!

أقوى أسباب اندلاع الثورة المصرية كان طغيان واستبداد منسوبي أجهزة الشرطة من العساكر والأمناء والمخبرين، وتراكم معدلات الإذعان في مواقف المواطنين، ولو تأملتم في سير المتجاوزي