مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : خمسون قلبا يانعا


من ضمن الأخبار التي تثلج الصدر وتثير بعضا من كوامن الدمع، إجراء هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية عددا من العمليات الجراحية في مجال القلب المفتوح والقسطرة لـ (50) طفلا سودانيا من المصابين بهذا المرض في مدينة ودمدني حاضرة ولاية الجزيرة وسط السودان في بدايات هذا الشهر. وبقيادة الفريق الطبي السعودي، بالإضافة إلى الطاقم الإداري والمتطوعين مع الهيئة، لاقت هذه العمليات الدقيقة نجاحا منقطع النظير، ورسمت البسمة في وجوه هؤلاء الأطفال.
وبهذه اللفتات الإنسانية تُثير الهيئة فرحا إنسانيا واستثارة عذبة، في زمن قلّت فيه مسببات الفرح. وهي أفعال عظيمة جديرة بالوقوف عندها، خاصة أنّ هيئة الإغاثة الإسلامية التابعة لرابطة العالم الإسلامي ظلت تعمل في صمت وهدوء، فمنذ نشأتها عام 1979م، وهي تقدم خدماتها المتنوعة من إغاثية إلى تعليمية، واجتماعية، وصحية، وتنموية في معظم دول العالم عبر مكاتبها وممثليها في 95 دولة. وطوال هذه العقود من الزمان وهي تدعم وتساعد وتنشئ دون ضوضاء أو انبهار بكاميرات التغطية، ليسري عملها وينساب الخير إلى الفقراء والمحتاجين في كل بقاع العالم الإسلامي.
وإذا تحدثت لغة الأرقام مبينة حجم الإنجاز والنجاح الذي حققته الهيئة، تعطلت اللغات الأخرى. فقد صرفت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية خلال العام الماضي وحده مبلغ (6.948.783) ريالا لإجراء (460) عملية جراحية في مجال القلب المفتوح، و(580) عملية في مجال القسطرة، وكشوفات طبية متنوعة لـ (554) مريضا ومريضة في (23) دولة من دول قارتي آسيا وأفريقيا.
وليس هذا بجديد على هيئة الإغاثة الإسلامية ومنسوبيها، وكريم منبعها ومقرها الرئيس في المملكة العربية السعودية وفي البقعة المباركة مكة، ودعم من ذلك عضويتها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، حيث تتفرد الهيئة بمشروعات شاملة متنوعة منها الدورية ومنها العاجلة. وهي جهودٌ مقدّرة تبذلها الهيئة تجاه الفقراء واللاجئين والنازحين والمرضى من الأسر الفقيرة والأيتام، وكذلك المعاقين والمنكوبين من شتى أنواع الكوارث في معظم الدول الفقيرة. وما أشدّ الاحتياج لهذا النوع من الإغاثات العاجلة في هذا العالم المضطرب. وما أشدّ الاحتياج لمثل جهود هيئة الإغاثة الإسلامية لإزالة مسحات الحزن عن وجوه الفقراء والمشردين وضحايا الحروب والنزاعات.
وتجيء هذه المساعدات الإغاثية في سلسلة مساعدات درجت المملكة العربية السعودية والمؤسسات والهيئات على تقديمها إلى البلدان المنكوبة والمتضررين، فوقعت بردا وسلاما على المتضررين. وهي تعبّر عن نهج إنساني درجت المملكة على اتباعه في إغاثتها للمحتاجين.
وإذا كانت صور أطفال الحروب والمآسي تتصدر صفحات الانترنت وأخبار الفضائيات بما يحكي وحشية وقسوة هذا العصر، فإنّ الهيئة تمدّ الإغاثة بيدها اليمنى ولا تعلم عنها اليسرى. هؤلاء الأطفال المرضى والمشردون يرسمون أمنياتهم الصغيرة في غير يأسٍ بأنّ هناك قلوبا تحس بمعاناتهم وآلامهم التي لا يستطيع أحد التعبير عنها بالنيابة عنهم، ولكن يمكن إزالتها بفعل أرواح خيّرة.
تكشف مواقف هيئة الإغاثة الإسلامية، وبملاحظات بسيطة عن حجم المعاناة التي يعيشها عالمنا الإسلامي. فهذه المنطقة، التي من المفترض أن تتخذ سلامها الإنساني مما حباها الله به من نعمة كونها مهبط الديانات السماوية، ورسل المحبة، نجدها بسوء التقدير والتدبير صارت موبوءة بالنزاعات والخلافات والحروب وما تؤدي إليه من واقع غير إنساني.
ليس هناك استثناء في أن يسعى الإنسان كونه إنسانا فقط، إلى أن يرتقي بتكريم الله له، وعندما يكون في هذا الموقع المشار إليه وبالهوية الإسلامية التي تشمل العدل والإحسان والسلام بين ثنايا تكوينها، يكون الإخلال بمبدأ الوصول إلى نوع من العدالة الاجتماعية مؤشرا لكارثة حقيقية، فالفقر والجهل والمرض كلّها من صنع يد البشر، ومآسي الأطفال جرائم تُساءل عنها المجتمعات الرشيدة.
تُبنى مشاريع هيئة الإغاثة الإسلامية على هذه القيم بالإضافة إلى ميزة أخرى يتم فيها صقل الإحساس بعمل الخير وقيمته، وهذه خصلة إنسانية عامة، فمتى سمت هذه القيمة يسمُ تبعا لها الإحساس ويتحقق ما يراه البعض مستحيلا.
mona.a@makkahnp.com