الصادق الرزيقي

وذات سوار تلطم …!


> أمر مؤسف ومُحزن، ما يجري داخل حركة الإصلاح الآن، والأشد إيلاماً الإيغال في التلاسُن والاتهامات الجزافية التي ابتدرها الفريق محمد بشير سليمان، ضد الدكتور غازي صلاح الدين، وبلغ التخاشن في العبارات الى درجة الاتهامات المالية التي لم تطل د. غازي طوال حياته في كل مواقعه السياسية والتنفيذية والعملية، ولم يكن متوقعاً لتنظيم سياسي حديث النشؤ والتكوين، أن تنشب فيه صراعات من هذا النوع، وتصل الى درجة الغلو في الخصومة!..
> وبغض النظر عن ما يدور داخل الحركة الإصلاحية، إلا أن كل من عرف الدكتور غازي صلاح الدين، ساءه ما يقوله عنه الفريق محمد بشير سليمان. فغازي لم يدخل معترك السياسة بعد تأسيس (الإصلاح الآن) وعقب إخراجه عن المؤتمر الوطني، فهو ليس ملاكاً ولا كاملاً له ما له وعليه ما عليه. له من المحاسن والعيوب كغيره من البشر، ولكن لم تطعن في ذمته المالية ولا أخلاقه العامة أو في علاقته بالمال. وقد كان في ساحة السياسة ملء السمع والبصر، وشغل العديد من المواقع الدستورية ولم تصبه يوماً سهام التخوين والفساد والإفساد أو التعاملات المالية..ومن قبل خاض المجاهدة بالنفس والروح، ولولا مدَّ الله في أجله، لكان من شهداء حركة يوليو 1976م عندما جاء للخرطوم معفراً بتراب الصحراء الكبرى من معسكرات الجبهة الوطنية من أجل مشروع سياسي تحقق بعد ذلك بسنوات طويلة، وجد في ذلك المشروع الفريق محمد بشير سليمان نفسه من قياداته ورموزه ووزرائه الولائيين.
> ولا يقبل من الغرماء السياسيين على الإطلاق، التنابذ على قارعة الطريق وكيل الاتهامات مع بعضهم البعض، ولو فعلوا ذلك وتمادوا فيه، لذهب الى غير رجعة المروءة بين الناس وقيم الصدق والترفُّع عن الصغائر، ولأكلوا لحوم بعضهم بعضاً في وضح النهار..
> كل التنظيمات السياسية حدثت فيها خلافات داخلية وصراعات وانشقاقات، ووصل الى حد الاشتباكات والضرب، لكن لم تصل يوماً إلى مثل هذا القول المؤسف عن الذمم المالية وهتك الأسرار الحزبية والتنظيمية، وهدم المعبد على من تحته.. وهذا النهج المستخدم في صراعات حركة (الإصلاح الآن)، مرفوض مهما كانت مبرراته. فالسقوط عند السفح يسيء للجميع حتى لو اعتقد الفريق محمد بشير سليمان إن ما قاله صحيح وسيصرع به خصمه ويُقصيه عن الحركة..
> والمعلوم إن حركة (الإصلاح الآن) مثلها مثل التنظيمات التي تنشأ كردة فعل على فعل سابق، فلم تكن لتكون أو لتولد لولا أن فصل غازي من المؤتمر الوطني، ولولا شخصيته القيادية ورمزيته السياسية والفكرية، لما كان لهذه الحركة صوت أو اسم ووجود. والفريق محمد بشير سليمان التحق بها عقب إطلاق فكرتها، وهو مثل كل المجموعة التي التفت حول مؤسس الحركة، كلهم غاضبون حانقون، غلبت عليهم مواجعهم ومراراتهم وحسراتهم الشخصية، فاختاروا الدرب الآخر..
> وكثيرون انتقدوا موقف الفريق محمد بشير سليمان، ليس في انتقاده للدكتور غازي وخلافه معه، بل لأنه انقلب وفارق حتى رفقاء السلاح من إخوته في القوات المسلحة الذين يمثلون قيادة الدولة الحالية. فالمشير عمر البشير والفريق أول بكري حسن صالح وبقية رموز الدولة من العسكريين، هم زملاء ورفقاء نائب رئيس حركة (الإصلاح الآن) المُبعد عنها. فكثيراً ما يُقال إن الرجل الذي لم يتحمل ويقدر علاقة الخنادق والبنادق، لا يمكنه تحمل زملاء حركة سياسية تأسست في قاعات الفنادق ..!
> إن السلوك السياسي الراشد المطلوب، هو أن يتعاون الجميع على هدف مشترك تحت فضاء من القيم والممارسة الرفيعة المنزهة عن هوى الأنفس لتعصمهم عن السقوط إلى الحضيض. ما جرى في (الإصلاح الآن)، وما بدر من تهم وإلقاء القول على عواهنه، يكشف الى أي حد انحدرت الحياة السياسية..
> ونصيحة نقولها للدكتور غازي .. إن تاريخك ومكانتك السياسية واسهاماتك الفكرية واهتماماتك ومواهبك العلمية واحترامك لذاتك، يجب أن تجبرك جميعها على ترك هذا النوع من العمل السياسي المفضي الى الإهانات، والتفرغ لقضايا الفكر والعلم والمعرفة، واختيار ساحة (اللعب النظيف)..