عبد الجليل سليمان

أوقفوا الحرب وإلاّ سنوقفها نحن 3-3


تقول (ليسينج): كان زوجي يعتقد أنني برجوازية وفرويدية، وكان هو يسارياً متلزماً وربما متزمتاً أيضاً، كان ثورياً يؤمن بالحرب والقتال من أجل تحقيق أهدافه وكنت أؤمن بالسلام والحوار، كانت نهايته – للأسف – أن قتل في كمبالا، في كمين. كان في سيارة مع زوجته الثانية وساقها نحو تنزانيا، هذا كان أمرا مجنونا، أطلقوا عليه النيران، وكان موتا بشعا، وهذا أثر على ابنه، بيتر الذي صار ممزق الوجدان والحشا، ولا يزال (ابنه) يعتقد أن الشيوعيين هم من فعلوا به هذا لأنهم سموا شارعا باسمه. وهذه هي الطريقة التي يتصرفون بها، لأن العقائديين كلهم (يمينيين ويساريين) بحسب قوله: (قتلة بضمير مستريح).

وعطفاً على مقولات (ليسينج) وابنها، فإنّ المُتأمل لِسِيَرْ الحروب والموت والدمار لا يعجزنه أن يلحظ أن مؤجِجيها ومُشعِليها كانوا على الدوام ولا زالوا من (العقائديين) المتسربلين بأيدولوجيات يمينية أو يسارية وتحت شعارات الجهاد أو الثورة، هؤلاء في الغالب لا يشاركون بصورة فعلية وعملية في الحرب، فقط يديرونها وينظمونها ويكنزون نتاجها من مال وسلطان لقاء إزهاق أنفس كثيرة ونشر الهلع والفزع والخوف والرعب بين البشر وما ينجم عن ذلك من لجوء وتشرد ومرض وغبن.

(لوردات) الحروب من العنصريين والعقائديين بدءاً بـ(هتلر) وليس انتهاءً بأبي بكر البغدادي (زعيم داعش)، يبذلون على مستوى الخطابين الفكري والسياسي أجمل الأحلام والأفكار، لكن سرعان ما يتحول هذا الجمال (الفكري) إلى قبح له رائحة الجوارب القديمة. للأسف وبحسب (ليسينج) فإنه لا أحد سيُصدق أن هناك أناسا أذكياء تخونهم حاسة شمهم فتتضمخ أنوفهم عبقاً بتلك الروائح.

انظروا حولكم إلى مآلات كل الحروب التي دارت رحاها في هذه (الدنيا)، ماذا قدمت للإنسان غير البؤس والتخلف والجبروت والتسلط واللجوء؟، كل قادة الثورات (كلهم) على الإطلاق تحولوا إلى طواغيت ومستبدين يسومون شعوبهم العذاب والويل. أكثر من ذلك تحولوا إلى (أشباه آلهة) يريدون أن تسبح الشعوب بحمدهم، وصاروا أثرياء يتصرفون في مقدرات بلدانهم وكأنها من سخاء وعطاء (ضيعاتهم) الشخصية.

المتأمل الحصيف والبصير لسيرة أي حرب وتداعياتها، يشعر بالأسى والخزي والعار من انتمائه لبني البشر، هذه الكائنات التي تترفع على كل المخلوقات حولها، حتى أنها عندما تريد حط أقدار مفارز منها تعيرهم بأنهم (وحوش)، لكن في واقع الأمر وبطبيعة الحال فإن ما يفعله البشر تترفع عنه (الوحوش) وتتنزه.

لذلك كله، ولكثير مما لا يقال، فإننا نطلق هذه المبادرة، فمن أراد أن ينضم إلينا فليكن مناوئاً للحرب ولمؤججيها أياً كانت أفكارهم وشعاراتهم ومهما كانت مطالبهم.