عبير زين

لا تلمس أولادي!


صرخة مدوية أطلقتها بعضُ الأمهات الخائفات على اطفالهم عبر صفحة على الفيس بوك تحمل نفس العنوان، في محاولة منهن لمحاربة والسيطرة على التحرش ضد الأطفال وذلك بالمناقشة والتنوير والتبصير حول كيفية توعية الأطفال بماهية التحرش وتوصيل المعلومة اليهم فى شكل سهل وبسيط تستوعبه عقولهم البريئة، لأن طفولتهم أمانةً فى رقابنا و مستقبلهم رهينةً بسلوك المجتمع تجاههم، فحادثة تحرُش واحدة كافية بأن تعصف بشخصية الطفل وتشوه مستقبله ونفسيته للأبد.
تبدأ الخطوة الأولى من حماية الطفل من داخل الأسرة فهي المُناطة بالتوعية المصحوبة بالبساطة والحب، لنعلم أطفالنا بأن جسدهم ملكاً لهم ولا يحق لأى شخص بالإقتراب منه أو ملامسته أو خلع ملابسهم عنهم تحت أى ظرف من الظروف، إخبار الطفل ببعض ما يمكن أن يتعرض له جزء كبير من الوقاية ولكن من دون المبالغة الشديدة ودون أن ننقل لهم قلقنا الشديد كي لا يحدث عندهم خوف يخلق عقدة أو نقطة من الشك بداخلهم عند التعامل مع الآخرين أو يُعرقل من حياتهم بشكل طبيعي.
حوارنا المُستمر مع أطفالنا يخلق جو إيجابي داخل الأسرة و يشجعهم على الكلام وسرد ما يحدث لهم خارجاً وهذا قد يفيد في تفادي ماقد يحدث لهم من تحرش، فالتحرش غالباً لا يحدث مرة واحدة ويحدث بالتدريج حتى يصل لأكثر الدرجات عمقاً وهي التى يتم فيها التأذى الجسدي والنفسي و الذي يصعُبْ رتقه وعلاجه فى هذه المرحلة، وأن يعتاد الآباء الاستماع الحسن لأولادهم وخاصة عندما يريد الطفل أن يتكلم عن أمر سلبي جرى معه بحيث يعتاد الطفل على الصراحة في الحديث مع والديه مهما كان الأمر محرجاً.
التحرش الجنسي بالأطفال هو مرض و إنحراف في السلوك الجنسي، لأنه يخالف الفطرة السليمة للبشر و المريض أو المتحرش يكون فى حالة ضعف وخنوع وربما تغييب كامل للإرادة …. بمعنى أن الطفل فى مواجهة مريض شاذ خارج عن سيطرة عقله!
قبل شروعي فى كتابة هذا المقال إطلعت على بعض الكتب فى علم النفس بحثاً عن ثقب أستشف به نفسية المتحرش وما يسيطر عليه من قوة أو ضعف حين يهم بفعلته، و دُهشت حقاً عندما علمت بأن معظم المتحرشين ومغتصبي الأطفال هم ممن تعرضوا لحادثة مثيلة فى طفولتهم! وهُنا تكمن الكارثة! يعنى المتحرش به اليوم هو مغتصب غداً! فالمتحرش غالباً شخص غير سوي وعندما يصطدم بوعي الطفل فإنه لن يمسه خاصةً أنه إما مريض نفسي أو مختل عقلياً وهذان النمطان يكون الخوف متربصاً بهما ولن يجرؤ على مس طفل اذا مانع او تملص او حاول الصراخ بصوتٍ عالي لتنبيه من حوله.
حتى فى حال (وقع القدر) وحدثت المصيبة وأصاب الطفل ما أصابه فيجب التصدي مباشرةً لآثار التحرش أو الإغتصاب، وتلعب الديناميّة (التماسك) الأسريّة أو العلاقة بين الأهل والطفل دوراً أساسيّاً في اكتساب الهويّة الجنسيّة المستقرّة عند الأشخاص المُصابين، ويؤدّي وجود خلل في الديناميّة الأسريّة وعدم اهتمام الأهل برعاية أطفالهم أخلاقياً ونفسياً إلى فشل في بناء قاعدة حميمية صلبة عند الأطفال المتحرش بهم، لذا فإن التحرّش الجنسي يشكّل الشعور بعدم استقرار الذات وإنعدام الثقة بالنفس فتخلق من ضحية التحرش اليوم غولاً متحرشاً غداً.
تعتبر كل القوانين والمواثيق أن مجرد الإساء اللفظية للطفل جريمة يعاقب عليها القانون ويندرج التحرش تحت مظلة جرائم الإنسانية البشعة التى تستوجب بتر الشخص المُتحرش عن جسد المجتمع تماماً لأنه قطعة فاسدة وجب التخلص منها ولفظها الى مزبلة النفايات لأنه يرتكب من أبشع الجرائم قسوة وظلماً وتنكيلاً فبفعلته يدمر جيلاً كاملاً ويلطخ مستقبلاً منيراً.
بعيداً عن سلطة القانون وداخل إطار الأسرة يجب أن نحمي أطفالنا ونوعيهم بشكل بسيط ونستمع إليهم ولا نهمل تضجرهم من الذهاب الى مكان ما أو نلح عليهم بتركهم فى صحبة أحد مهما كان قريباً- طالما يتضجرون- فاللطفل جرس إنذار فِطرى يجعل لديه حاسة قوية جداً تلتقط نوايا البشر السيئة لذا علينا أن نستجب لهم ونلتقط إشاراتهم البريئة التى تنبهنا بالخطر الذى يتحرش بهم!