مقالات متنوعة

خالد حسن كسلا : «حزب الميرغني» هل يبيع المشاركة؟!


ترى هل كانت قرارات مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة محمد عثمان الميرغني في الانتخابات ضمن الأحزاب والمرشحين والمترشحين المشاركين تسويقاً سياسياً لتحقيق أهداف معينة بيد الحزب الحاكم المحافظ على لقب الفوز الانتخابي للمرة الثانية بعد عملية التحوّل الديمقراطي الكامل؟!
إن ما لم يلاحظه الناس باعتباره إحدى ثمار اتفاقية نيفاشا المختلطة بالحلو والمر، هو أن هذه الاتفاقية الكارثية ورغم كارثيتها قد فتحت الطريق واسعاً جداً لمرور عملية التحول الديمقراطي الكامل، وأن عدم رغبة البعض في المشاركة في الانتخابات الأخيرة وانسحابهم من التي سبقتها التي كانت الأولى بعد عملية التحول الديمقراطي الكامل في أبريل 2010م بسبب تقلص أو انعدام فرص الفوز لديهم بعد التغيرات في الساحة. لا يعني أن عدم مشاركتهم في الانتخابات سيقدم تفسيراً موضوعياً بأن البلاد لا تحتضن عملية تحوّل ديمقراطي كامل، ولا يمكن أن تتجاوب المفوضية القومية للانتخابات أو الأحزاب التي رغبت في المنافسة الانتخابية ومعها المستقلون مع ابتزازات المقاطعين للانتخابات من بعض الأحزاب العريقة مثل حزب الأمة القومي، أو تلك التي يحتقرها الشعب السوداني لارتباطها بأفكار وهلاويس معينة أو شخصيات معينة ذات بصمات سالبة في تاريخ السودان السياسي الأحدث. لذلك حينما ترفض المفوضية ومن رغبوا في المنافسة التجاوب مع ابتزازات المقاطعين ومواقف الاتحاد الأوروبي، فهذا لا يعني توفير فرصة التسويق لحزب الميرغني «الاتحادي الديمقراطي الأصل» في أن يكسب بمشاركته أعلى المناصب الدستورية في الدولة ويسميها ويقول «نائب رئيس ووالي الخرطوم ورئيس البرلمان». إن الحزب الثاني في نتائج الانتخابات هو حزب الحقيقة الفيدرالي، وهو إذن أولى من الاتحادي الأصل بتقلد هذه المناصب الرفيعة باعتباره الحزب الثاني، والأولى أيضاً بأن يشارك الحزب الأول في حكومة ائتلافية كالتشكيلة الأولى في حكومة الصادق المهدي المنتخبة عام 1986م والتي كانت حكومة ائتلاف بين حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي وهو موحد حينها طبعاً، فقد ظهر في إعلان التشكيلة الوزارية والرئاسية أن السيد زين العابدين الهندي نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية. لكن بعد مبادرة الهندي في التسعينيات انشقت مجموعته وهي الآن انشقت منها مجموعة صديق الهندي. وطبعاً إذا لم يرشح المؤتمر الوطني الزعيم الجماهيري المحبوب «عمر البشير» لكسب حزب الحقيقة الكثير من الأصوات التي ذهبت إلى مرشح المؤتمر الوطني المحبوب لدى الملايين، رغم كل شيء.
ثم لماذا يقول الاتحاديون أعضاء اللجنة السياسية بينهم وبين المؤتمر الوطني إن الزخم الكبير الذي أعطته مشاركتهم في العملية الانتخابية التي حظيت بمقاطعة أحزاب المعارضة يكفل لهم منح المناصب العليا التي سموها، ومن ضمنها منصب والي الخرطوم وهو رئيس حكومة خدمات معقدة، وكان قد فشل فيه أحد الاتحاديين في الثمانينيات وهو كرم محمد كرم معتمد العاصمة القومية؟!
فهل إجراء الانتخابات دون مشاركة فيها من مجموعة الميرغني إحدي مجموعات الاتحادي الديمقراطي «حزب الحركة الوطنية الأول» لن يكون دستورياً؟!. وهل حسمت مشاركة مجموعة الميرغني الاتحادية ازعاج «المقاطعين» في كل مكان وموقع بأنها فشلت وهل قطعت قول كل مقاطع بأنها بدون إقبال وهل غيّرت موقف الاتحاد الأوروبي المغرض؟!. ومجموعة الميرغني نفسها هل كلها مجمعة علي المشاركة؟! دعك من غيرها.
وإذا صح هذا الخبر الذي يقول إن الاتحاديين يطالبون بهذه المناصب الثلاثة العليا جداً، فهم إذن لا يمارسون في إطار تنظيمهم عملاً سياسياً طبيعياً، وإنما يمرون بهزة تنظيمية منذ انشقاق مجموعة زين العابدين الهندي ومجموعة جلاء الأزهري، ومرور أكثر من ربع قرن بدون كسب عضوية جديدة خلاله من الأجيال الشبابية الجديدة. لقد فشل إذن حزب الأسرة تنظيمياً وراح يطلب المناصب العليا غير المستحقة بحجة مشاركته في انتخابات لا يمكن المزايدة بالمشاركة فيها، فهي ليست مشروعاً سياسياً للمؤتمر الوطني وانما حق دستوري لكل المواطنين. فلا تضر مقاطعة حزب الصادق المهدي ولا تفيد مشاركة الميرغني حسب الفهم الدستوري لإجراء الانتخابات. فمن شاء فليشارك ومن شاء فليقاطع حتى ولو كان المؤتمر الوطني نفسه. لذلك ينبغي أن يضغط الناس على المؤتمر الوطني إذا قاطع وأراد أن يؤثر بالسلطة في ممارسة الناس حقهم الدستوري.
لكن الاتحاديين في «التيار الأصل» كما يسمونه يقبلون اختزال حزبهم في أسرة الميرغني التي تفصل من خلال صبيانها من الحزب من هم في أعمار السبعين والثمانين. والآن يريدون اختزال شرعية الحكومة في حزبهم المهترئ الذي يقضي نحبه أو أنه يحتضر، لينهض بدلاً منه حزب الدقير وإشراقة وجلاء الأزهري قريباً.
غداً نلتقي بإذن الله.