منى سلمان

ضوقوهو .. حلو وللا لا ؟!!


كنت أنوي التيمن بعادة لأستاذنا الفاتح جبرا، فقد ذكر بأن له مادة كتبها من وحي حادث سقوط طائرة سودانية، فصار كلما تكرر الحادث يقوم باعادة نشر نفس المادة، ولذلك نوه بعد حادثة طائرة الفوكرز ان هذه هي اعادة المقال للمرة التاسعة ..طيب، الله يكضب الشينة فـ حالي كحال استاذنا جبرة، كنت اكتب بحرقة قلب شديدة كلما تعرض احد فلذات اكبادنا التلاميذ لجريمة (ضرب يفضي للاذى الجسيم)، ولكن كثرة تكرر الحوادث دون رد فعل قوي من وزارة التربية والتعليم باكثر من توجيه الاخ (حميدة) بمنع الضرب، جعلنا نشعر بان نبيحنا في هذا الشأن مجرد (بندق في بحر) لا بودي ولا بجيب، وبالتالي ربما كان من الاوفر ان نختار واحد من تلك المقالات المتكررة عن الجلد واعادة نشره، كلما تعرض طالب لعقاب بدني ادى الي اذى جسيم أو فقدت فيه روح طاهرة بريئة كما حدث في الايام الفائتة، فلا معنى لان (نهري وننكت) لتنحرق اعصابنا دون فايدة ..الغريبة وما غريب الا الشيطان، انني قد حضرت قبل عدة اسابيع اجتماع لامهات الطلبة الممتحنين لشهادة الاساس، فابني سيكون ضمن الجالسين باذن الله لهذا الامتحان ..ما لفت نظري وحرضني للكتابة عن الموضوع وقتها لولا خشيتي ان اتهم باني (لايكة الموضوع لبانة)، ان كثير من امهات الطلبة طالبن المعلمين بالتركيز على العقاب البدني لمواجهة تهرّب ابنائهن من المذاكرة، بل واشادن بشدة باستاذ معين لانه حازم يمارس سياسة الجلد النضيف، وان معدل تحصيل الطلاب في مادته يعتبر من اعلى المعدلات، حتى ان احدى الامهات طلبت بصورة شخصية ان يركزوا على ابنها في العقاب البدني لانه (لعبنجي) ولا يجلس للمذاكرة إلا بالضرب !!وهناك من طالبت بأن يجتمع الاساتذة بالطلبة بمثل اجتماعهم مع الامهات، ليبلغوا الابناء بقرارات ذلك الاجتماع لينقرعوا وينتبهوا لمذاكرتهم، لان هؤلاء الابناء (ما بيجوش الا بالضرب) ولن يسمعوا الكلام الا من افواه اولي الجاة والسيطان .. عاد ده كلام !!يومها حدثتني نفسي بأن اعيد عليهم نكتة ادروب التي سبق ان اوردتها في احدى مقالات المجلودين .. (أدروب) اخذ ابنه الصغير ليلحقه بالخلوى، وكان ابنه نحيلا رقيق العظم دقيق البنية، فوجد ان كل من سبقه في الصف من الآباء يسلم ابنه للشيخ وهو يقول له: (ليك اللحم ولينا العضم) وعندما جاء الدور على (أدروب) تلفت في ضيق قبل أن يقول:ناس دي كووولها تجي تقول (ليك اللهم ولينا الأدُم) .. والله أدُم ولدي ده رقيّق .. شوربه ما تسويها.ثم سحب ابنه من يده وعاد به من حيث أتى.فقد كان ابني كحال ابن الادروب (عضمو رقيّق .. شوربة ما يطعّما)، فحدثت نفسي في وجل بـ (بري ولدي انا النبي فوقو كان تدقوهو) !حقيقة الموضوع يحتاج وقفة جادة من علماء التربية والنفس لمعالجة تلك المعضلة، فليس من السهل ان تقتنع والدة طفل تعيش في الالفية الثالثة (يعني متعلمة وفاهمة)، وتسلم بأنها عاجزة عن توجيه ابنها وتقويمه وتوجيهه بالحسنى لما فيه مصلحته، بدلا من اللجوء لاسلوب اجدادنا القدماء، الذين ذهبوا بابائنا للمدارس وقالوا لمعلميهم (ليكم اللحم ولينا العضم)، فترك نصف جيل الاباء مقاعد الدراسة ودخلوا السوق هربا بجلودهم من الجلد !!حسنا، لم يكن كل جيل اجدادنا مقتنع بنظرية الكسر التربوي، اذكر انني التقيتت في مناسبة عزاء بحبوبة ظريفة يبدو انها كانت ريسة وصاحبة كلمة فقد شدت الموجودات بحكاياها اللذيذة، فمن ضمن ما حكت ان حفيدتها تعرضت للضرب من استاذتها بالعصا (البسطونة) في يديها، حتى اصيبت باعاقة دائمة عندما انكسرت يدها وتعثر شفائها حتى تيبست كفها، وفقدت الصغيرة المقدرة على تحريكها او الكتابة بها ! تبارت الموجودات في ذكر الحوادث الشبيهة التي تعرض لها اطفال من معارفهن، ثم خلصن لقناعة ربما كان فيها شيء من المبالغة، وذلك لانهن افتن بأن معلم هذا الزمن قاسي ليس في قلبه رحمة، اكدت الحبوبة نفس الفهم عندما حكت بانها كانت تمر من امام مدرسة للبنات في حيها فوجدت الاستاذة تعاقب البنات بنظافة الشارع امام المدرسة !! قد يكون لا بأس في ذلك لولا ان وقت العقوبة كان الساعة الواحدة ظهرا في نهار هجير يقلي الحبة .. قالت الحبوبة بأنها توقفت وانتهرت البنات وامرتهن برمي المقاشيش والدخول لمدرستهن، ثم التفتت للمعلمة قائلة:دنقري قشي براك .. شوفيها حلوة وللا لا !!ربما نحتاج لطريقة حسم تلك الحبوبة بأن نطلب من كل معلم قبل الشروع في جلد طالب ان يجربه اولا في نفسه .. حلو وللا لا ؟!

(أرشيف الكاتبة)