يوسف عبد المنان

قِمَّة أم غُمَّة؟؟


في كل الدنيا تكتسب مباريات القمة أهمية خاصة وتهتم حتى الصحافة غير الرياضية بتداعيات المباريات التي تعرف (بالكلاسكو) في بريطانيا، حينما يلتقي كبيرا الإنجليز مانشستر يونايتد وليفربول تتوقف ساعة (بق بن) الشهيرة وبلغة المنافسة بين العملاقين حد الكراهية، في بلاد التسامح والديمقراطية وحقوق الإنسان.. والأسبان يعتبرون لقاء ريال مدريد وبرشلونة بقمة الأرض.. وتأخذ مباراة القمة الأسبانية أبعاداً طبقية، حيث يمثل ريال مدريد فريق الملوك والنبلاء وأثرياء البلاد وقادتها.. بينما يمثل برشلونة الفقراء والمساكين المطالبين بحق تقرير مصير إقليم كاتالونيا الساعي للانفصال عن المملكة الأسبانية ومعه إقليم الباسك.
أما الطليان سادة كرة القدم الدفاعية فيطلقون على مباراة إنترميلان وميلان (ديربي الغضب)، ولكن التنافس في فرنسا وألمانيا والبرتقال أقل حدة.. ونحن في السودان نهتم بمباراة الهلال والمريخ ونعتبرها (عيداً) ويوم فرحة لشعب نصيبه من الأفراح قليل وحظه من الأحزان الكثير.. حتى صبغ الحزن والكدر والعبوس تقاطيع غالب وجوه أهل السودان.
اليوم تلعب مباراة القمة التي في الغالب (تنحدر) إلى أسفل فنياً وأخلاقياً وتصبح (غمة) على من يشاهدها من أرض الملعب أو خلف الشاشات، وتلعب مباراة اليوم في ظروف مناخية لا تصلح مطلقاً للعب كرة القدم، حيث ترتفع درجات الحرارة لأكثر من (45) درجة في ساعات النهار و(35) درجة ليلاً في ملاعب تفتقر إلى أبسط مقومات الملاعب الرياضية الحديثة.
ولن تحسم مباراة اليوم مصير الدوري السوداني الذي يتناوب فريق الهلال والمريخ على الفوز به، نظراً لضعف المنافسين وتواضع طموحات الأندية التي ترمي منديل التنافس قبل بدء أي مباراة طرفها أحد فريقي القمة ونادٍ آخر.. واليوم إذا انتصر المريخ على الهلال تمددت أفراحه.. وسيطر على الساحة الداخلية وحاز على صدارة النصف الأول من المنافسة، وقد ظلت نتائج المريخ تتحسن من مباراة لأخرى للاستقرار الإداري والفني.. والميزة النسبية لمحترفي المريخ الأجانب على بقية المحترفين في الأندية.. ولذلك يبدو واقعياً أن المريخ قريب جداً من كسب المباراة.. غير أن مباريات الهلال والمريخ لا تعترف بفارق الإمكانيات ولا المستوى الفني قبل المباراة.. وكثيراً ما خسر الفريق المرشح للفوز وكسب الآخر بضربة حظ أو سكب العرق في الميدان.
الهلال الذي كان متصدراً للدوري عمدت إدارته على تبديل مدربين خلال النصف الأول من الموسم جاءت “بباتريك” البلجيكي المغمور وحينما تردت نتائج الفريق تم إعفاؤه من منصبه والاستعانة بالمدرب “الفاتح النقر”.. ليعود للهلال شيء من ألقه القديم ويبدأ في سلوك درب الانتصارات.. لكن (عقدة) المدرب الأجنبي دفعت “أشرف الكاردينال” للتعاقد مع التقني التونسي “نبيل الكوكي” وهو مدرب جيد لكنه لم يتعرف بعد على قدرات لاعبي فريقه ولا الفرق المنافسة ليخسر أربع نقاط من مريخي الفاشر وكوستي، فكيف الحال حينما يلتقي المريخ الكبير اليوم؟؟
وخسارة “الكوكي” لمباراة اليوم لا تعني فشله حيث أقحمته إدارة النادي في (معمعة) مباريات أفريقية ومحلية دون الإلمام المسبق بقدرات وإمكانيات فريقه!! وقد رفضت إدارة الهلال بل قبل “أشرف” الكاردينال” الإصغاء للأصوات التي طالبت بالإبقاء على “النقر” حتى نهاية الدورة الأولى.
يحكم الهلال والمريخ رجلان من أثرياء السودان “جمال الوالي” و”أشرف الكاردينال” وينعم كلا الفريقين بأوضاع مالية مريحة.. ويغدق على اللاعبين الحوافز بالدولار واليورو.. وقد كان الهلال حتى العام الماضي يعاني مالياً.. ولكن (الكاردينال) حل نصف مشاكله وتبقى النصف الأول (الفني).
أما المريخ فإن “جمال الوالي” الذي يترأس مجلس إدارته يعتبر من أثرى الأثرياء في القارة الأفريقية، وينفق على النادي بغير حساب ولكنه حتى اللحظة يبحث عن بطولة أفريقية كالتي حصل عليها المريخ في سنوات فقره وعوزه.
هي مباراة مثل غيرها من مباريات هلال مريخ.. سوء سلوك.. ضرب.. وعشوائية ولعب على الأجسام وهتافات جماهيرية وتعصب وصحافة رياضية تبيع الأوهام للجماهير المسكينة، لتكسب بضعاً من المال على حساب الرياضة والقيم السمحاء.