حيدر المكاشفي

فك رقبة الدولة من تحت إبط الحزب


كدت أن أجعل عنوان تعليقي اليوم على الخبر الفاجع والصادم عن شراء قطاع الطلاب بالحزب الحاكم عدد خمسين عربة كوريلا آخر موديل بمبلغ تجاوز الـــ 22 مليار جنيه، كدت أجعل العنوان يقرأ (22 مليار يا مفترين)، فهم حقاً وصدقاً مفترين ومتبطرين ومنعمين ومنغنغين ومدللين كما أبناء الأمراء والملوك والأباطرة والفراعين، وليس في نعتنا لهم بذلك ولو شبهة تجني، فمن يمارس مثل هذا السفه والبذخ والبذار في ظل المعاناة الساحقة والماحقة التي يرزح تحتها سواد الشعب، أقل ما يمكن أن يقال في حقه إنه متفرعن ومتبطر ومفترٍ؛ لا تهمه إلا نفسه؛ يدلعها ويرفهها على حساب فقر الشعب، ولكن السؤال الذي قفز الى ذهني فجأة عمن الذي أعانهم على هذا الباطل، ووفر لهم هذا المبلغ الكبير ليمتطوا به الفارهات، بل وقبل ذلك رباهم على الأنانية وحب الذات والاستعلاء على الآخرين و(يا سودان ما فيك إلا نحن) والبلد بلدنا ونحنا أسيادها، هو الجاني الأول والمتهم الأول الذي جعل من هؤلاء الطلاب فراعنة صغار.
بقليل من التفكر وضعت يدي على هذا الجاني والمتهم الأول الذي بإرشاده ارتكب هؤلاء الطلاب فعلتهم المخزية هذه، إنه هذه السلطة المطلقة والنهج الشمولي القابض الذي جعل من الحزب والدولة شيئاً واحدا، تماهت السلطة في الحزب وتمدد الحزب في السلطة، ووضع الدولة في خدمة الحزب، رئيس الدولة هو رئيس الحزب، ومساعد الرئيس في القصر هو نائب الرئيس في الحزب، والوالي هو رئيس الحزب في الولاية، ووزير الوزارة الفلانية هو أمين القطاع العلاني في الحزب وهكذا دواليك، كل الدولة في جوف الحزب بما في ذلك الــ… والــ… والــ… مما تعدون وتعرفون من مؤسسات وهيئات يتشكل منها قوام أي دولة، وباختصار وضع الحزب الحاكم الدولة رهينة له ورهن إشارته من قمة جهازها التنفيذي وإلى أصغر وحدة محلية، وأحكم عليها الخناق تحت إبطه، بينما ترك الآخرين في الصقيعة (أباطهم والنجم)، لا فاصل بين الانتماء السياسي للحزب والانتماء العام للمنصب، ذاك هو هذا، وهذا هو ذاك، فلا تدري ما الذي يفعله من أجل الحزب، وما الذي يفعله من أجل المنصب، فقد اختلط حابل الدولة بنابل الحزب، وبقية خلق الله في أرض السودان مجرد فرّاجة على رأي حادي الإنقاذ (وروني العدو واقعدوا فرّاجة) وما الطلاب إلا فصيل صغير بماكينة واحد بستم في هذا السيستم.
هذا وضع مقلوب وصورة شائهة تجعل الحزب الحاكم يكتم على نفس الحياة السياسية ويصيبها بــ(الأزمة والاختناق) ويورثها الإملاق من خلال سيطرته على مؤسسات الدولة، ولن تصح مناخات الحكم ولا يمكن إصحاح بيئة السياسة إلا بفصل الحزب عن الدولة وتخليص رقبتها من تحت إبطه.