رياضية

“أمدرمان” تنوني: قمة تعادلية وسرادق للموت تنتصب في شرق دارفور.. التسوية السياسية المرتجاة لن تصنعها الأسلحة بالتأكيد.. بل العقول


نقطة للهلال ومثلها للمريخ جعلت الخرطوم المدينة تنام هادئة إلا من صخب تساؤلاتها حول القادم وحول المقارنة بين كرتها وكرة الآخرين من حولها. يقول الكاتب الصحفي والمحلل الرياضي (حسن فاروق) قبل بداية المباراة بين الهلال والمريخ أمس الأول (القمة تعادلية بقرارات من جهات عليا).. فاروق كان يشير لحالة التداخل بين السياسي والرياضي في تسيير الرياضة في السودان، لكن مقولته كانت تشير إلى نقطة ثالثة وهي أن التعادل وتقاسم النقاط هو الطريق الوحيد لخلق حالة من الرضاء الجماعي لجماهير الفريقين كما أنه بحدوثه يمكن تجاوز إشكاليات يمكن حدوثها في حال فاز فريق على الآخر.

انتهت المعركة دون خسائر تذكر وكان المكسب الجماعي هو حالة الهدوء التي أعقبت صافرة حكم كسلا.

لكن الخرطوم المدينة التي صارت تجلس في شاطئ نيلها محاولة أن تعزل أحلامها للقادم باستقرارها وبعيداً عن الاختلافات، سرعان ما حاولت أن تعيد حالة اقتسام النقاط بين الهلال والمريخ إلى وقائع أخرى، فالتعادل والتقاسم أمر من شأنه صناعة الهدوء والاستقرار كما حدث عقب نهاية القمة نقطة للهلال ومثلها للمريخ، بينما مثلت النقطة الثالثة علامة الشكر لمن حضروا.. “ليتهم ينهون كل قممهم بالتعادل” هكذا تقول الألسنة الخرطومية وهي تذهب في مطاردة رزقها اليومي.

يبدو ياسر عبيد الهلالابي سعيداً بما آلت اليه نتيجة مباراة القمة سعيد لأن فريقه تحصل على نقطة ولم يخرج خالي الوفاض ويتمني ياسر أن تؤول حالة التعادل إلى مشاهد أخرى في البلاد وكأنه يوقن بأن أي نتيجة غير ما انتهت عليه المباراة لن يعقبها خير. فالتقاسم عند ياسر خير وإن كان فوز الهلال أفضل له بحسابات أخرى، لكنه يعود ليقول إنهم حسبوها صاح وعلينا انتظار القادم.

يمضي كثير من المحللين في تفسيرهم لحالة الاستقرار السوداني في الفترة من العام 2005 وحتى العام 2010 لسلطة السلام التي أنتجتها اتفاقية نيفاشا التي لم تكن لتنجح لولا سيادة نمط التقاسم للثروة والسلطة وهو ما حدث نتيجة لتعادل قوتي الموقعين على مستوى الميدان قبل أن يمضيا لتوقيع اتفاق سلام استطاع أن يصمد حتى حلول لحظة الحقيقة بانفصالهما. التفسير الماضي يجد ما يدعمه في منهج السياسة نفسه فالاستقرار نفسه هو مولود لحالة تعادل القوى وهو ما يجعل التعادل نفسه مطلوب المرحلة الراهنة بغية الوصول إلى مستقبل آمن.

تقول المعارضة في آخر ظهور إعلامي لها إنها لن تلجأ للدخول في حوار يقود إلى تسوية سياسية وإنها تطرح خيار إسقاط الحكومة كخيار وحيد لها.. في المقابل ترد عليها الحكومة بسخرية من يعلم القدرة الحقيقية للأخيرة وعجزها عن أن تصنع ما تدعو إليه، وهو ما يعني بالضرورة استمرار الحال على ما هو عليه ما لم ترفع المعارضة من وتيرة مواجهتها وتملك وسائل تحقيق الأهداف، بينما على الحكومة في هذه الحالة اللجوء لخيار تقديم التنازلات لشراء المستقبل، وهو ما يبدو بعيداً في ظل المشهد الراهن، وكل ما يملكه الشعب الذي تحكم السلطة بشرعيته التي منحها إياها في الصناديق وترفع المعارضة راياتها لتحقيق أهدافه ليصرخ هو بصوت صمته: “يا جماعة باركوها فقد هرمنا في انتظار اتفاقكم على تحقيق أهدافنا ورغباتنا”.

الخرطوم التي صمت فيها صوت جدال الأقدام وصراع الميدان سرعان ما تجد نفسها في مواجهة صخب آخر ومعركة أكثر اشتعالاً، الموت يعاود هجمته مرة أخرى على شرق دارفور. سيف الصراع القبلي يشعل فتيل معركة كلما قيل إنها انتهت أشعلت النيران في دارفور من جديد من دون أن تجد من يقول للموت حسبك فقد نلنا منك ما يكفينا.. وتخبر المتنازعين بأن القاتل سوداني والمقتول كذلك، وأنه لا خيار يمكن العيش في أحضانه غير السلام والمصالحة التي ضربت لأجلها أكباد الأبل في مروي وسعى لها الجميع لكن دون جدوى.

الخرطوم التي تمارس الصمت القاتل على ما حدث تبكي من الداخل حين تذيع موجاتها أخبار الأغاني وتستضيف شاشاتها الفنانين والممثلين وهي العارفة بأن ما حدث عليها هي فقط أن تدفع فاتورته وعليها أيضاً أن ترفع رايات النداء للجميع بأنه أوان التهدئة التي يجب أن تقوم بها السلطة من أجل أرواح شعبها.

لكن بعيداً عن الخرطوم الرسمية فإن خرطوم الشعب لا تملك من أمرها شيئا غير أن تصرخ بملء حنجرتها منادية على أبنائها هناك (أن رجاء أوقفوا النزيف السوداني) وأن انهوها بالتعادل لينال المعاليا نقطة خيرهم وينال الرزيقات نقطة تصب في بحر سلامهم وتكون النقطة الثالثة لصالح السودانيين كلهم، فالسلام خير والتعادل الذي لن تصنعه الأسلحة، بالتأكيد، كفيلة بصناعته العقول

 

 

اليوم التالي