الصادق الرزيقي

حول مبادرة الصحافة


> يطالع القارئ الكريم في عدد من الصحف السودانية اليوم، نداءً وصيحةً قويةً ورسالةً من الصحافة السودانية، حول الاحتراب القبلي والدماء السودانية التي تراق باستمرار في ربوع دارفور وكردفان وأجزاء من هذا البلد الحبيب، وإزهاق للأرواح وتعطيل للحياة وكسر دورتها الطبيعية وترويع للأمنين وتضييع للمصالح الوطنية وتعميق جراح ما كان لها أن تواصل النزيف.
> هذا الموقف المشرف للصحافة السودانية، ظل كما هو عبر التاريخ الطويل، فصحافتنا عمرها أكثر من مائة عام، سبقت كل الأحزاب السياسية والتكوينات الحزبية، بل خرجت الحركة الوطنية من رحم الصحافة، وكان الكثير من قادة العمل الوطني وقيادات الأحزاب عند تأسيسها في نهاية ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، من رواد بلاط صاحبة الجلالة وعملوا في الصحف قبل أن يتحولوا للسياسة، وظلت الصحافة هي الصوت الأعلى وطنياً في مجابهة الاستعمار وحفز الشعب تجاه حريته، بل هي صانعة الاستقلال الحقيقي، ولم ينقطع دورها طوال فترات الحكم الوطني، وظلت ضمير الأمة ونبضها ودقات قلبها والدم الذي يجري في شرايينها.
> اليوم تستدعي وتستنهض الصحافة دورها، فالذي يتابع ويراقب ما وصلت إليه الأوضاع بين القبائل وظواهر العنف غير المبرر وانحسار مساحة التسامح والتناصح ومنع قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، يجد أنها كلها دواعي تجعل من واجب الصحافة التحرك الفوري في إطار وظيفتها وواجباتها تجاه المجتمع والرأي العام، للوصول إلى حلول لهذه القضايا المقلقة التي تكاد تعصف بالسلام الاجتماعي أو بوجود البلاد نفسها.
> مبادرة الصحافة السودانية التي أطلقت بالأمس من رؤساء التحرير والقيادات الصحفية والكتاب، وخرجت من دار الصحافيين بمبادرة من اتحادهم العام، لن تكون كغيرها من المبادرات، فالمجتمع الصحفي العريض سيتحرك كله في إطار مسؤولياته بنشر ثقافة السلام ونبذ العنف وعدم التحريض عليه وحض الجميع على السلام والصفاء الاجتماعي، لكن حركته القادمة ستكون أكبر وأوسع وأشمل لتشمل التوسط بين أطراف النزاع والإسهام في معالجة الجوانب الإنسانية وتصميم برامج مختلفة توسع مظلة الوعي والإدراك للمخاطر الجمة التي تحدق بمجتمعنا إذا انتشرت فيه هذه الظواهر السالبة والنزاعات الدامية، ستكون الصحافة السودانية على الأرض، مع كل الأطراف للعمل وسطهم وتقديم كل ما يتوفر لديها من بيانات ومعلومات حول الخطر الذي يتهدد بلدنا ويكاد يمزقها إرباً إرباً.. وستقدم النصح الرشيد، وستسهم في عكس فظائع الحروبات وبشاعتها ومقابحها.
> لا خير في صحافة وطنية إن لم تكن هي الممسك بزمام المبادرة والقادرة على توجيه الرأي العام نحو الصواب.
> ليت كل السودانيين كانوا شهوداً على الاجتماعات التي عُقدت في دار الصحافيين وتمت فيها مناقشة الدور الذي ينبغي أن تقوم به الصحافة، لقد تحلى الجميع بروح وطنية مخلصة وحرص لا يدانيه حرص على الأمن والسلم الاجتماعي، لقد وضع الجميع الصورة كاملة بين أيديهم وتحت أعينهم، وكانوا على ثقة أن الدولة والمجتمع في حالة ترقب وانعطاف كامل، فيجب أن تقوم قواه الحية وطليعته الواعية ومنظماته وهيئاته الشعبية وكل فئاته بدور بارز وكبير من أجل انتشال بلدنا من وهاد التعصب للعنصر والقبيلة والجهة.
> وأهل الصحافة ليسوا على الرصيف حتى يتفرجوا على وطنهم يتلوى من الأوجاع ويئن من كثر الجراح والنزيف، فهم جميعاً اليوم في مقدمة الصفوف بكل حيدة ونزاهة وروح وطنية يقدمون ما يستطيعون مع كل الجهات المعنية في العمل الإنساني والدعوي والبلاغ وتكثيف الجهود لوضع حد لهذه المحن.
> نتمنى التوفيق لهذه المبادرة الجديدة التي ستكون في عدة محاور، وما يظهر من نداء وبيان اليوم هو طلائعها، ونرجو أن ينضم إلينا كل غيور وحريص على بلده من المبدعين حتى تتشابك الأيادي وتتماسك، ونهزم الفرقة والانقسامات والتشرذم ونعيد إلى بلدنا الود والصفاء القديم.