أبشر الماحي الصائم

عذراً أيها الرفيق


كثير من المراقبين يرجعون عمليات الانفجار المفزعة، التي عرفت في تاريخنا الحديث (الغريب القريب) بأحداث (الاثنين الأسود)، يرجعونها إلى جملة صغيرة ضخت بكثافة وخبث في شرايين المجتمع، غداة مصرع الزعيم الجنوبي جون قرنق، تقول تلك الجملة “إن موندكرو قتل جون قرنق” فما إن انتشرت كلمة السر تلك حتى وتحركت تلك (الأحزمة السوداء) التي أعدت بعناية ليوم كريهة، الأحزمة التي كانت تتسور الخرطوم وتحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، تحركت على متن ثاراتها الموروثة بمرارة المصنوعة بعناية، فقتلت وانتهكت وحرقت وروعت، وكتبت أسطر سوداء في كتاب تاريخنا الناصع، مهدت فيما بعد إلى زهد بعض الشمال في الوحدة، ولم يمض طوبل وقت حتى تكشفت الحقائق الصادمة، على أن الثائر القتيل لم يقتل في ديار (الموندوكرات) المغلوبة على أمرها، فكانت الطائرة المتفجرة يوغندية.. وطاقم الطائرة يوغندي.. والرياح والجبال والأشواق كلها يوغندية.. والتوقيت يوغندي والطريقة، على أن السيد يوري موسفني، لم يكفهم ذلك الحريق على بشاعته ومكره، فها هو الآن يعمل على ما بقي من دولة جنوبية وعينه على السودان الشمالي !!

هل يعيد التاريخ نفسه، على أن الأخبار المتدفقة من هناك هذه الأيام تقول بمرض السيد سلفاكير، وليس هذا ما يقلقنا فكل الناس تمرض وتموت، على أن الخبر الذي يقلقنا هو قول بعضهم، بأن الخرطوم جاهزة ﻻستقبال السيد سلفاكير بغرض الاستشفاء حسب رغبته، فما إن قرأت هذا الخبر حتى تساءلت إن كانت الأقدار تخبئ لنا إعادة إنتاج تراجيديا الاثنين الأسود، إن كانت هنالك (اثنين سوداء) أخرى تنتظرنا، فلو أن الرجل أصابه قدر السماء لما وسع ربعه اتهام الأرض التي تعالج فيها بتحمل تبعات ذلك المصاب الباهظ عالي الكلفة !!

فالسودانيون أنفسهم يشدون الرحال للاستشفاء في جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، بل أين مشافي إسرائيل وبوغندا والأصدقاء الأوربيين !!

على أي حال ربما كانت هذه هواجس عالية الحساسية، بيد أن احتدام الصراع بين الفرقاء الجنوبيين يعقد الأمور ويجعل الخرطوم في مرمى الاتهام في أي قدر يهبط من السماء !!

* نحن ﻻ نعرف على وجه الدقة الحالة الصحية للرئيس سلفاكير، لكننا نقف على وجه الداء العضال الذي يصيب الجسد الجنوبي والحالة المتردية لهذه الدولة الوليدة، على أن رفقاء النضال والفتنة نجوا بأرواحهم إلى الفنادق اليوغندية والغربية تاركين الشعب تحت نيران الحريق، هم الذين ساقوا ويسوقون الدولة والشعب الجنوبي في الطريق الخطأ، على أن الأولية كانت يفترض أن تكون للتنمية وبناء هياكل الدولة وترسيخ قيم التسامح والتعايش، لكنهم بدأوا بالاقتتال على الكراسي مع استضافة الحركات المسلحة للانتقام من الدولة الأم التي أهدتهم دولة بنفطها ومكانتها ومكننتها.. يتبع.