تحقيقات وتقارير

نظافة الخرطوم ضخامة التحصيل وسوء الخدمات «2-2»


بالرغم من أن الخرطوم تعتبر العاصمة السياسية والاقتصادية للسودان، الأمر الذي يحتم عليها أن تكون في أبهه حُلة، ولكن من يتجول في طرقاتها يصاب بالتلوث البصري. فحيثما يتوجه النظر لا يرى سوى أكوام النفايات او بقيايا اوساخ لم تُزل بالكامل، سواء أكانت انقاضاً أم أشجاراً قد تم بترها ورميها في منتصف الطريق. بالرغم من تكوين مشروع كامل تحت مسمى هيئة نظافة ولاية الخرطوم الذي يتحصل على المليارات في الشهر الواحد، الأمر الذي يمكنه من تخطي مرحلة النظافة الى مرحلة تحسين البيئة، إلا أنه أخفق حتي في مهمته الأساسية، فضلاً عن إهدار أمواله بطريقة عشوائية، حيث نجد بعض مدراء المشروعات يمتلكون سيارات فارهة في الوقت الذي يشتكون فيه من قلة الإيرادات واضرابات العمال نسبة الى قلة رواتبهم وتأخرها، فضلاً عن عقوداتهم المؤقتة. «الإنتباهة» وقفت على مشكلة نظافة ولاية الخرطوم من خلال القطاعات المختلفة وخرجت بهذه الإفادات في سياق هذا التحقيق: كبار السن وفي حديثه لـ «الإنتباهة» قال احد المشرفين الميدانيين: إن مشكلة نظافة ولاية الخرطوم تكمن في اعتماد المشروعات على كبار السن من العمالة، الأمر الذي يصعب التعامل معه كمشرفين، حيث لا تستطيع التعامل معهم بجدية في حال التقصير في اداء واجبهم، مشدداً على ضرورة اختيار عناصر شابة لهذه العملية. وفي حديثها قالت عبلة محمد اسماعيل التي كانت تعمل بالمشروع لفترة «8» سنوات في وظيفة مؤقتة، قالت: ان جميع العاملين بمشروعات النظافة يعانون من مشكلة المصير المجهول في الهيكل الوظيفي، اذ تجد من يعمل لأكثر من عشر سنوات دون ان يكون له تأمين صحي وضمان اجتماعي، وحتى فوائد ما بعد الخدمة تأتي عبارة عن مبلغ رمزي فقط، واعتبرت ان هذه اكبر التحديات التي تواجه هيئات النظافة، ودعت الى ضرورة هيكلة المشروع وتوريد مرتباتهم الى وزارة المالية، حيث اعتبرت ان الهيئات لديها الامكانات لذلك اذا تم توظيف الاموال بطريقة صحيحة. خدمات متدنية واتفق مدير هيئة نظافة محلية شرق النيل النجومي جرس مع سابقه في ان اكبر التحديات التي تواجه محليته هي مسألة العمالة وعدم هيكلتها، واضاف جرس أنهم في شرق النيل لديهم اشكال كبير جداً في مسألة المحطة الوسيطة التي توجد في كل محلية والتي تكون قريبة من سنتر المدينة والتي تقلل من التكلفة والجهد والوقت، وغياب هذه المحطة انعكس سلباً على اداء الهيئة نسبة لتعطل الآليات بفعل المسافات البعيدة الى المكب الرئيس وعدم سفلتة الطريق المؤدي اليه، واضاف ان محلية شرق النيل هي الأكبر من حيث المساحة، فضلاً عن ان خدمتها متدنية ومعظم الطرق غير معبدة، كما ان هناك احياءً كثيرة غير مخططة، واضاف قائلاً: ان مشكلة الميزانيات تعد اكبر التحديات لأنها لا تنفذ كما وضعت، حيث لا يتعدى التحصيل السكني «30%» والدعم الذي يأتي من المحلية يسير جداً ويأتي في شكل صيانات، ونحن عاجزون عن سد الفرق بين المنصرفات والمدخلات، واضاف ان هيئة نظافة محلية شرق النيل قوتها «124» عربة ولكن المتوفر الآن «84» عربة ومعظمها متعطلة بفعل بعد المكب ووعورة الطريق، ومنها «13» عربة صغيرة ولا تصلح للعمل في نقل النفايات، واضاف ان سلوك المواطن هزم الهيئة لاسيما في المناطق الراقية حيث لا يلتزمون بزمن دخول العربات للأحياء، وقال ان هناك قانوناً سوف يصدر، حيث يرى جرس انه سوف يسهم كثيراً في عملية النظافة، موضحاً ان سوق «6» يعاني من مشكلة تنظيم وليست نظافة، حيث لا يستطيع العامل القيام بمهامه على اكمل وجه. نصف عمر واضاف مدير العمليات بهيئة نظافة محلية شرق النيل السماني آدم فضل الله قائلاً: ان هناك نقصاً حاداً في العمال مما يدفع الهيئة إلى العمل مع شريحة الشماسة باليومية التي اعتبرها غير منضبطة في سلوكها، وقد يتغيب البعض لعدة ايام، كاشفاً ان العربات العاملة «56» عربة «22» منها عبارة عن ركشة و «10» تراكتورات، وما تبقي فهو متعطل وقد انتهي عمرها الافتراضي، واضاف ان المحلية وبكل احيائها واسواقها تعمل بعربة «خاطفة» واحدة فقط «نصف عمر» وهي التي تحمل الحاويات الكبيرة من الاسواق، واذا تعطلت يتوقف العمل في كل الأسواق، مضيفاً ان المحلية ليست بها مواعين ارادية، الامر الذي ينعكس سلباً على الميزانيات. ودعا السماني إلى ضرورة توفير العربات عدداً ونوعاً، كما شدد على ضرورة توفير محطة وسيطة للمحلية، بجانب هيكلة الوظائف بمشروع النظافة، لا سيما ان العمل طارد بالهيئة في كل المحليات، غير ان معينات العمل قليلة جداً. واقر السماني بالقصور، خاتماً حديثه بأن المسألة مسألة مال وعمال وتوعية مع القانون. مشكلة الحاويات فيما ذهب مدير هيئة نظافة محلية كرري عصمت يوسف الى ان الحاويات هي من اكبر الاشكالات التي تواجههم، فضلاً عن سرقة السلات التي توضع على الشارع وبعض الاحياء، بالاضافة الى عدم وجود نوعية العربات الكبيرة «رول اوف او الخاطفة» التي تعمل على رفع الحاويات المعدومة.

واضاف عصمت ان محليته الآن تعمل بواقع «22» عربة فقط حيث اعتبرها غير كافية، فضلاً عن الاعطال المتكررة التي تواجه جرارات المحطة الوسيطة التى يرى عصمت ان كفاءتها متدنية، مضيفاً ان محلية كرري مسموح لها بالوصول الى المكب الرئيس نسبة لازدحام المحطة الوسيطة، الامر الذي يؤدي الى اهلاك العربات نسبة الى بعد مسافة المكب الرئيس، فضلاً عن ان الطريق المؤدي اليه غير معبد، موضحاً ان ايلولة المكبات الى المحليات فاقم مشكلة النظافة لأنها ليست لديها الامكانية التي تمكنها من ادارة تلك المكبات، والمعروف في كافة الدول أن المكبات تدار بواسطة الحكومة الاتحادية، كاشفاً عن عجز في ميزانية هيئته ونقص حاد في العمال والمتحصلين، وشدد يوسف على ضرورة تحمل وزارة المالية الفصل الأول الخاص بمرتبات العاملين، كما دعا الى ضرورة ترقية سلوك المواطن، مبيناً ان البنيات التحتية غير مساعدة. حالة استقرار بالرغم من أننا وقفنا على عدد كبير من الآليات المتعطلة بالمحطة الوسيطة بمحلية بحري، الا ان مدير العمليات الشوش احمد عبد الرحمن نفى ان تكون لديه مشكلة فيها. وأضاف أن هناك دعماً كبيراً من المحلية والولاية، الا ان هناك« قاب» في الميزانية نسبة لارتفاع أسعار الاسبيرات والوقود، واتفق مع سابقه في الحديث عن نقص العمالة مستنكراً فكرة القطاع الخاص في هذا المجال الذي يعتبره مجالاً خدمياً ولا يحتمل الربح والخسارة، الأمر الذي يعول عليه المستثمر. طبيعة ضاغطة وفي حديثه لـ «الإنتباهة» نفى مدير الهيئة الإشرافية لنظافة ولاية الخرطوم مصعب برير أن تكون هناك مشكلة في الآليات بل في التكلفة الباهظة للصيانات الوقائية والعلاجية للآليات العاملة في مجال النظافة وطبيعة العمل الضاغطة التي تؤدي الى خروج اعداد كبيرة من الاسطول العامل من الآليات، وبالتالي يؤدي الى سرعة اهلاك الآليات وخروجها المبكر عن العمل وعدم تعويض الخارجة عن الخدمة، مما يجعل المراقب يشعر بأن هناك نقصاً او عدم وجود لتلك الآليات. وكشف برير عن اعتماد سياسات ومعايير للصيانات الوقائية الطارئة في تدريب المهندسين والميكانيكية، وتم اعتماد انشاء ورشة مركزية، فضلاً عن ورش فرعية بالمحليات ضمن الخطة الاستراتيجية المعتمدة بالمنحة اليابانية التي اعتبرها برير سوف تعمل على تقليل عبء هذه المشكلة المتفاقمة والمتصاعدة. إجازة الهيكل ومضى برير في حديثه عن الخطة المستقبيلة لايجاد الحلول للمعيقات التي تقف امام نظافة ولاية الخرطوم، قال ان هناك اهتماماً بتحسين بيئة العمل والعمال.

حيث اعتبر مصعب ان العمال من اهم ركائز المشروع، حيث درجت ولاية الخرطوم على اجازة لائحة الهيكل الوظيفي الخاص بالعمال الذي بدوره سوف يؤدي الى تحسين شروط خدمتهم بشكل كبير، حيث تضمنت اللائحة التغطية في خدمتي التأمين الصحي والضمان الاجتماعي. واضاف برير أن الهيئة الاشرافية تعمل على تصميم الحقائب التدريبية واعتمادها، حيث نجحت ولاية الخرطوم في استقطاب منحة من منظمة الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) لتدريب «2400» عامل تدريباً اساسياً ومتقدماً ليكونوا نواة للعمال المهرة في مجال نظافة ولاية الخرطوم. تغطية واسعة وفي ما يتعلق بالشكاوى الخاصة بالمحطات الوسيطة قال مصعب برير إنها تمثل احدى الركائز الاساسية في المشروع، مضيفاً ان هناك برنامجاً تأهيلياً كبيراً لتلك المحطات من حيث التسوير والتوسع فيها عددياً، واشار الى ان هذا البرنامج سوف يكتمل خلال هذا العام بإدخال «5» محطات وسيطة لخمس محليات، والتي بدورها سوف تساعد في تقليل الزمن والجهد، فضلاً عن الحد من اهلاك الآليات ورفع كفاءتها بجانب تقليل تكلفة النقل. واضاف قائلاً: ان المشروع كان في السابق مركزياً، وتم تنفيذ بعض الأنشطة والتداخلات من خلال ادارة موحدة بالولاية التي تقوم بالتدخل المباشر على مستويات ويتم دعمها لسد قصور الميزانيات ولائياً ومحلياً وبأسس محددة قادت الى نوعية خدمات لا بأس بها، ولكن لم تحدث هذه الخطوة الاستمرارية، ولا نستطيع تقييم كفاءتها الاقتصادية بدقة، لذا حسم قانون الحكم المحلي لعام 2007م قضية المسؤولية التنفيذية لتقديم خدمات النظافة، على أن تكون الولاية مسؤولة فنياً، وان تقوم بالتفتيش والمتابعة والتقييم والتخطيط ورفع القدرات. ويرى برير أن النظام الحالي لهيئات النظافة هو الأفضل حتى نستطيع تقديم خدمات افضل، فضلاً عن تقوية النظام والرقابة والمحاسبة وتصحيح القصور في الأداء، كما يرى أن الحكومة فشلت في تقديم خدمة النظافة عبر القطاع العام، لذا درجت ولاية الخرطوم على إدخال القطاع الخاص المقتدر أسوة ببقية الدول الناجحة في تقديم هذه الخدمات.

تحقيق: أم بلة النور –
صحيفة الإنتباهة