حوارات ولقاءات

أمين حسن عمر: “1-2” أنا في مرحلة التقاعد وما في زول بيلومني


** وأنا أدلف إلى مكتب الدكتور أمين حسن عمر القيادي بالمؤتمر الوطني استشعرت عدم رغبته في الحديث، في الحال أدركت أن ثمة أمرا خطيرا يجري بعيداً عن الأعين، أمر مثير للاستفهامت بالطبع، وعندما لا يرغب أمين في الكلام والمحاججة فنحن بصدد مرحلة جديدة _ على ما يبدو _ حسناً، من هنا كانت البداية، ومن قبل كان الرجل عائدا للتو من رحلة خارجية استمرت قرابة الأسبوع، ولكنه مع الرهق الذي بدا في عيونه، لم يغادر محطة الاستماتة في الدفاع عن النظام، حتى هذه الكلمة (النظام) كانت تثير حنقه، وكان يبتسم ساخراً ويرد بطريقته المعروفة (هذا كلام مجاني، هذا اتهام ساذج، لن أرد على ذلك القول).. وكلما حاولت أن أعرض مجمل الآراء الساخطة على التجربة يزداد الرجل مدافعة وبلهجة حادة، حتى خلت أن هذا الحوار لن يكتمل، وكلما اقتربت من ميدان الفكر والثقافة بدا أمين أكثر هدوءاً ورحابة، ويحمد للرجل أنه واضح في طرح رؤاه، حتى مواقفه الداخلية لا يستنكف عن عرضها ولو أغضبت البعض، لذا ظن الكثيرون أن مطالبته بتغيير القيادة في المؤتمر العام الأخير سوف تعصف به بعيداً، بالطبع سيرة المؤتمر العام والإصلاح ودور المثقف والحكومة المنتظرة ومبادرة شارع الحوادث وموقف الدولة من أحكام الإعدام في مصر والعديد من القضايا كانت حاضرة، ما قاله صراحة أنه الآن في حكم المتقاعد، ولا يرغب في خوض تجربة لا يؤمن بها، منظره في كرسي القماش يتحرك يمنة ويسرى، يسدد ويقارب وينظر للمستقبل، كان مثيراً للاهتمام، على كل حال ذاك مكانه، فأمين منذ البداية تليق به الألقاب الفكرية والأكاديمية، حسناً لننظر ما قاله وننتظر ما سيقوله.

+ ابتداءً يا دكتور هل تشعر أنه فاتك شيء يستحق التعليق؟

_ أنا أصلاً ما لدي رغبة في الكلام ولا أشعر بأن هنالك ما يستحق الحديث.

+ لو كنت إنت ما فاهم طبيعة المرحلة وقادر على التعاطي معها فمن الذي يفهم؟

_ مُش ما فاهم، ما (إنترستنغ) حتى ولا مهيأ.

+ لماذا؟

_ أنا مرة قلت إنو أي زول بيصل محطته وبينزل من البص ويفسح مكانه للغير.

+ أنت الآن لا تتقلد موقعا نافذا ومع ذلك تبدو مشغولاً على الدوام.. مشغول بماذا؟

_ مشغول بملفات في الحركة الإسلامية، وشغل يخصني أنا، ومشغول بندوات وهسه أنا جايي من ندوة.

+ أما زلت تؤمن بوجود حركة إسلامية فاعلة؟

_ طبعاً طبعاً.

+ ولكن الحركة الإسلامية الآن لا يبدو لها أثر في المجتمع ولا حتى في صناعة القرار السياسي؟

_ هذا غير صحيح..

+ ما الصحيح إذن؟

_ الحركة الإسلامية ما كانت بتعلن عن خطواتها في الصحف أصلا، لكن حتى القدر الذي تعلنه الآن موجود.

+ لنتحدث بوضوح، ما الذي تقوم به الحركة الإسلامية الآن؟

_ الآن في مبادرة لحرمة الدماء، في شغل على أصعدة مختلفة وما بالضرورة يعلن عنه.

+ لماذا لا يعلن عنها وهى ليست عملا سريا؟

_ هو عمل إسلامي المقصود منه الدعوة والتغيير والتمثل أكثر بالقيم الإسلامية، وهذه ليست حركة سياسية عايزة تعلن عن مواقفها عشان يكون ليها كسب.

+ الحركات الإسلامية كثيرة الآن في السودان عن أي واحدة تتحدث؟

_ الحركة الإسلامية التي أنتمي لها من أكثر من ثلاثين عاماً.

+ هل هنالك كيان موحد يجتمع فيه كل الإسلاميين بما فيهم الترابي وشيخ صادق وغازي صلاح الدين؟

_ مش بالضرورة، ومتين في تاريخ الإسلام كل أصحاب الاتجاهات الإسلامية موحدين في تنظيم واحد.

+ فيم التوحد إذن وقد تفرقت بهم السُبل وتقطعت بهم الأسباب؟

_ في توحد في بعض الأفكار، في توحد في أهداف كلية عامة، لكن التنظيم فكرة مختلفة، ونحن مع الإخوان المسلمين والشعبي وتيارات أنصار السنة، كلنا عندنا وحدة هدف.

+ معنى ذلك ممكن نفهم مشروع الترابي (النظام الخالف) في سياق وحدة الهدف.

_ الترابي يتحدث عن السياسة، عن نظام يتوحد فيه أصحاب الفكرة الإسلامية الوطنية بحيث يكونوا قوى تغيير في الساحة ولكن ليس بالضرورة عمل الحركة الإسلامية كله محصور في السياسة.

+ (مقاطعة) ولكن المجتمع الآن متقدم على الحركة الإسلامية وهو صاحب المبادرة؟

_ المجتمع بيقود من دون قيادة؟ المجتمع عنده قيادات فردية وقيادة جماعية، والحركة الإسلامية بتفتخر إنو كان عندها دور كبير جداً في التغيير الاجتماعي.

+ كان عندها دور، هذا يعني عملا سابقا ولكن هنالك تغييرات وتحولات كبيرة اليوم لا تخطئها العين؟

_ حتى الآن كثير من عبارات الحركة الإسلامية وشعاراتها يتبناها المجتمع، حتى خصومها اضطروا إلى استلاف بعض مصطلحاتها وبعض مناهجها، إما يزايدوا بيها أو يحاكموا بيها.

+ الذي يقود المجتمع الآن مبادرات شبابية، مثلاً مبادرة (شارع الحوادث) لوحدها الآن أكبر من صدى الحركة الإسلامية؟

_ هذا تبسيط مخل.

+ كيف تبسيط وهي الأكثر حضوراً وتفاعلاً والتفافاً؟

_ هى مبادرة نقدرها، ولكنها مبادرة محدودة لهدف محدود، فما ممكن تقول إنها تقود المجتمع، المجتمع دا أوسع من الخرطوم.

+ ولكنها الآن تتجاوز الخرطوم، مثل هذه المبادرات تنداح في كل مكان وقد وجدت ترحيباً لافتاً؟

_ المشكلة ما في فكرة جديدة، فكرة العمل العام الخيري فكرة قديمة وموجودة في المجتع وواسعة الانتشار، وهي فكرة النفير والفزع.

+ عفواً ولكن هذا الالتفاف والتفاعل المنظور يعني أن المجتمع يائس من الحركة الإسلامية بحزبها وحكومتها؟

_ البقولوا الكلام ده هم خصوم الحركة الإسلامية، الحركة الإسلامية العمل الخيري البتقوم بيه في السودان وعبر العالم لا يمكن أن يقارن بأي جهد مقدر تقوم به ثلة من الشباب.

+ ولكن واقع الحال متجاوز لنداءات وشعارات الحركة؟

_ يا أخي عندنا منظمة واحدة وهى منظمة الدعوة الإسلامية بتعمل في عشرات الدول، وتنفق مليارات، تجي تقول لي كلام ساي؟

+ ولكن الأولوية للداخل وليس للخارج، فأنت نفسك لم تصل مرحلة الكفاية والدليل أن العالم نفسه ينفق عليك؟

_ الأولوية لا تعني الانحصار، الأولوية إنك تخت دا في الاعتبار، وهو موجود في استراتيجياتنا.

+ بصفة شخصية هل أنت داعم لمثل هذه المبادرات أم رافض لها؟

_ أنا بالمناسبة عضو عبر عدد من هذه المبادرات، وليس الأمر للمزايدات التجارية.

+ يعني هذا أنك يائس من العمل الحكومي ولذلك التحقت بهذه المبادرات؟

_ هذا كلام ليس فيه عمق كاف، أنا لو يئست من العمل العام كان بمشي اتقاعد، أنا في مرحلة التقاعد ومافي زول بيلومني، كان ممكن أمشي بيتنا وأعمل لي حاجات بسيطة ومدرة للدخل وأتفرج وأنتقد في الناس.

+ في المؤتمر العام الأخير كنت محبطا أو على الأقل كنت تنتظر تغييرات عاصفة وخاب أملك؟

_ أنا ما محبط، كوني أعمل على التغيير، ولا زلت أعتقد أنه مفترض يحصل تغيير وتحصل مبادرات كبيرة، لأن مجتمعا مثل المجتمع السوداني بطيئ الحركة ويحتاج إلى مبادرات جريئة ومتتابعة وكثيفة.

+ هل تتوقع أن يحدث تغيير في مقبل الايام؟

_ هو التغيير حاصل، نحن مش زعلانيين إنو مافي تغيير، زعلانين أن نسق التغيير دون الطموح ودون الفرص المتاحة، أما النظر السلبي إذا رضيت أقول الأمور كلها حسنة وإذا غضبت أقول الأمور كلها سيئة فدا نظر ما عنده قيمة، الأمر درجات ومستويات.

+ ما الذي تعتقده أنت بخصوص التغيير والإصلاح بعد كل هذه السنوات؟

_ الفرص المتاحة للعمل التغييري والإصلاحي في السودان أكبر بكثير جداً مما هو مستثمر، والحاجة إلى تغيير سريع لنواكب المتغيرات حولنا في العالم حاجة ماسة، والتجاوب مع هذه الحاجة الماسة محدود ويحتاج إلى دفع وتحريك

+ في المؤتمر الأخير ظن الكثيرون أن دكتور أمين غادر الملعب تماماً ولن يعود مرة أخرى لأنه اعترض على التجيد للرئيس؟

_ لأن هؤلاء سلبيين، بفتكروا أما ترضى فتُقبل أو لا ترضى فتدبر.

+ هنالك رواية أخرى تقول إن أمين في ذلك الوقت لعب دورا لصالح علي عثمان وأراد أن يظهره بمظهر المناصر للبشير؟

_ ما عندي تعليق على هذه الرواية الساذجة.

+ هل هنالك مفاجآت متوقعة في الأيام القليلة القادمة في ما يخص الحكومة الجديدة؟

_ والله لا أشغل نفسي بهذا.

+ لماذا؟

_ أول حاجة أنا ما راضي بالطريقة التي تدبر بها الأمور بإعطاء أهمية كبيرة جداً لجهويات ولقبليات، أعتقد ان هذا سيعطل حركة الإصلاح، وسيبطئ من حركة التقدم نحو الأمام لأنه قائم على التسويات، والتسويات لا يمكن أن تقدم أمة.

+ ولكن التسويات الجهوية والطائفية هي صيغة مطروحة للشراكة الحالية؟

_ للأسف هذا موجود، والدلائل تشير له والتصريحات تؤكده.

+ هل أنت متفائل بإنفاذ مخرجات خطاب الوثبة في قادم الأيام؟

_ أنا لا أتفاءل ولا أتشاءم، أنا متفائل طوال الوقت وأحياناً الأمور تقصر عن هذا التباين، وللأسف لمدة طويلة الأمور مقصرة عن الآمال، وأعتقد الرئيس عنده فرصة تاريخية ليقوم بمبادرات قوية وجريئة وسريعة، إذا لم يفعل ذلك فستكون هنالك فرص مهمة قد ضاعت على السودان وعلى قيادته هو شخصياً.

+ دور المثقفين داخل الحركة الإسلامية وداخل المؤتمر الوطني بمن فيهم أنت متخاذل وسلبي، هل تتفق مع ذلك الاتهام؟

_ ما هي علامة السلبية؟

+ السكوت في معرض الحاجة للكلام والنقد؟

_ مين سكت؟ هسه في حوارك دا في أي علامة سكوت على ما يجري؟ هذه اتهامات تساق، ومين قال الدور الجماعي لازم نعمل بيه مظاهرة في الشارع السياسي؟

+ أنا أتحدث عن الدور الداخلي في الرأي والمشورة والنصح والاعتراض؟

_ إذا عندنا دور جماعي محتاجين نتعامل فيه بحكمة وذكاء حتى ينتج ثماره، وليس لكي يصبح إعلانا ليرضي بعض الناس، ولن يرضى كثيرا من الناس، وهذه الاتهامات تصنيفات مسبقة وليست قائمة على مراقبة وتقييم موضوعي ومنصف.

+ ولكن الراجح أنكم كنتم تخافون من مصير غازي؟

_ أنا لو كنت مقتنعا بأن حركة (الإصلاح الآن) بالتنظيم الذي خرجت به واعدة لكنت التحقت بها.

+ ما الذي تعتقده بخصوص حركة الإصلاح الآن؟

_ أعتقد أنه ليس لها أفق نجاح كبير.

+ هل أنت مؤمن بالتغيير من الداخل؟

_ أصلاً الإصلاح لا يكون إلا بالتغيير من الداخل، الثورة دي شيء آخر، وهي خروج على المؤسسة.

+ مع مرور التجربة كل من يجهر بالقول من الإسلاميين يمضى إلى حتفه السياسي؟

_ هذه الخمسة والعشرين سنة كانت مليئة بالإخفاقات ومليئة بالإنجازات، والإصلاح هو أن تتحدث عن الإنجازات وتدفع باتجاه تعظيمها وتتحدث عن الإخفاقات وتعمل على تجاوزها ومراجعتها الضرورية.

+ ولكن الإنقاذ بدت تجربة حزينة وغير مرضية للكثيرين؟

_ هذا تقييم شخصي جداً وليس تقييما موضوعيا.

+ لماذا؟ وهو رأي ظاهر؟

_ المعايير لهذا التقييم هي إما معايير رقمية قياسية أو معايير سياسية، والسياسية واضحة جداً فحزب المؤتمر الوطني الآن حزب ضخم وكبير أكبر من اللازم حتى، وهذا دلالة على على أن الناس يشعرون أن هذا الحزب هو الذي يمكن أن يقود الحياة السياسية.

+ الانتخابات لم تقل ذلك وحتى المؤتمر الوطني بضخامته التي تتحدث عنها هو حزب مستنزف لموارد الدولة وهنالك تصنيفات غير جيدة في ما يتعلق بالشفافية والنزاهة؟

_ كل هذا جزء من المعركة السياسية، وليست أشياء تقيمية وتقويمية، الفساد جزء من المعركة السياسية داخلياً وخارجياً، وتقييم التقصير أو الإنجاز عندما تأتي من خصم ليست لها قيمة.

+ مظاهر الثراء بالنسبة للعديد من قادة المؤتمر الوطني لا تخطئها العين هنالك من يردد ذلك؟

_ هذا ليس صحيحا وهو كلام مجاني ولا أريد ان أخوض فيه.

+ ولكن الشارع والأسافير تخوض فيه؟

_ عندما يتحدث أحدهم عن شخص معين ويقول إنه أثرى وأفسد ويتحمل المسؤولية القانونية أنا بحترمه.

+ عندما بدأت الصحف منعت؟

_ هذا مجرد استنتاج، مين قال منعت لأنها كتبت عن الفساد؟، وأي فساد موثق حقيقة قدمته الصحف؟

+ أنت شخصياً كتبت تطالب بإحكام القوانين والضوابط لمنع أي تجاوزات وشبهات؟

_ أنا كتبت وقلت إن إيقاع مواجهة الحالات التي كان فيها شبهة فساد، أنا لا أستطيع أن أقول إن هنالك فسادا حتى يثبت القضاء أن هنالك فسادا، لكن الإيقاع التشريعي والإيقاع التنفيذي وهذا موجود حتى في سيرة الإصلاح هو إيقاع بسيط وبطيئ في مثل هذه الحالات، وهذا سيخدم قضية المروجين لهذه التهم، ولابد للحكومة.. ولابد للجهاز التشريعي أن يكون حازما وسريعا في مواجهة أي حالات اشتباه وهو للأسف غير موجود، لكنه لا يثبت أن هنالك فسادا على كل حال.

+ وماذا عن الحالات التي ذهبت للمحاكم؟

_ الحالات القليلة التي ذهبت للمحاكم أحياناً بُرئ المتهمون فيها وأحياناً أدينوا.

 

 

اليوم التالي

 


‫2 تعليقات

  1. اعطه منصبا” يعيد له الحضور و الحظوة السابقة و ستجد شخصا” آخر مختلف تماما” !!.

  2. رسالة لل\كتور أمين لقد سئمنا إنتظار إصلاح القيادة وعلى راسها السيد البشير أين ذهبت القيم الإسلامية السامية الشورى التي هي اساس الحكم والتطور والإزدهار ولا زالت هناك تصرفات وقرارات تتخذ دون ان نشتم رائحة أخذ راي الخبراء وذوي الخبرة فيها؛ أصبحنا لا نشعر بوجود حكومة او قيادة تقود الوطن؛ كثير من القرارات الخاطئة التي أتخذت سابقا لم تجد من يقف عندها لإيقاف تاتدهور المريع ومنها وزارة الري والموارد المرحومة ومشروع الجزيرة وقضايا المهجرين قسراً لصالح سد الحامداب وأن هناك مجتمعات تغيرت وتبدلت قسراً دون أن يعيرها أحدا ما هي واجبات الحكومة تجاه السوق والنظافة والزراعة والتطبيب والتعليم لا شئ يرى في الأفق ولا أحد موثوق به للمعالجة بعد أن وجد كثير من اهل الخبرة والدراية انهم غير مرغوب فيهم لأنهم لا ينتمون لمراكز القوة التي تدير البلد كيف تشاء.
    لاسبيل للخروج إلا بقرارات شجاعة بمشاركة المحتمع في إتخاذ القرارات التي من شأنها تمس مصلحتهم في الدنيا والآخرة ولكن هل هؤلاء يصبرون علي الرأي الآخر الذي هو أصوب مما عندهم والله المستعان